جميل
كان "جميل" ساقياً يبيع الماء للناس وهو يتجول بجرته الطينية في الأسواق، وقد أحبه كل الناس لحسن خلقه وروحه المرحة.
ذات يوم سمع الملك بهذا الساقي فقال لوزيره:
اذهب و أحضر لي جميلاً الساقي.
ذهب الوزير ليبحث عنه في الأسواق إلى أن وجده وأتى به إلى قصر الملك.
قال الملك لجميل:
من اليوم فصاعداً لا عمل لك خارج هذا القصر،
ستعمل هنا في قصري تسقي ضيوفي،
وتجلس بجانبي تحكي لي طرائفك التي اشتهرت بها..
قال "جميل":
سمعاً وطاعةً يا مولاي..
عاد "جميل" إلى زوجته يبشرها بالخبر السعيد وبالغنى القادم، وفي اليوم التالي لبس أحسن ما عنده وغسل جرته وقصد قصر الملك.
دخل الديوان الذي كان مليئا بالضيوف وبدأ بتوزيع الماء عليهم وكان حين ينتهي يجلس بجانب الملك ليحكي له النوادر والطرائف المضحكة، وفي نهاية اليوم يقبض ثمن تعبه ويغادر إلى بيته.
بقي الحال على ما هو عليه مدة من الزمن، إلى أن جاء يوم شعر فيه الوزير بالغيرة من جميل بسبب المكانة التي احتلها بقلب الملك، فتبعه أثناء خروجه من القصر وقال له:
يا "جميل" إن الملك يشتكي من رائحة فمك الكريهة.
تفاجأ الساقي وسأله:
وماذا أفعل حتى لا تزعجه رائحة فمي؟
فقال الوزير:
عليك أن تضع لثاما حول فمك عندما تأتي إلى القصر.
قال "جميل" : حسنا سأفعل.
وعندما أشرق الصباح وضع الساقي لثاما حول فمه وحمل جرته واتجه إلى القصر كعادته، فاستغرب الملك منه ذلك لكنه لم يسأله، واستمر جميل يلبس اللثام يوما بعد يوم إلى أن جاء يوم وسأل الملك وزيره عن سبب وضع جميل للثام.
فقال الوزير : أخاف يا سيدي إن أخبرتك قطعت رأسي.
فقال الملك : لك مني الأمان فقل ما عندك.
قال الوزير :
لقد اشتكى "جميل" الساقي من رائحة فمك الكريهة يا سيدي.
ڠضب الملك وذهب إلى زوجته فأخبرها بذلك
فقالت:
من سولت له نفسه قول هذا لا بد أن يقطع رأسه ليكون عبرة لكل من يجرؤ على الانتقاص من شخصك ومقامك.
قال لها : ونعم الرأي.
وفي اليوم التالي استدعى الملك الجلاد وقال له:
من رأيته خرج من باب قصري حاملا باقة من الأزهار فاقطع رأسه على الفور.
حضر الساقي كعادته في الصباح وقام بتوزيع الماء وعندما حانت لحظة انصرافه أعطاه الملك باقة من الأزهار وهو يبتسم وقال له:
لقد أطربتنا بنوادرك اليوم وتستحق هذه الأزهار.
وعندما هم "جميل" بالخروج التقى بالوزير فقال له الوزير:
من أين جئت بهذه الأزهار الجميلة؟
فقال "جميل": هي هدية الملك.
فقال له: أعطني إياها فأنا أحق بها منك.!
فأعطاه الساقي الباقة وانصرف
وعندما خرج الوزير رآه الجلاد حاملا لباقة الأزهار فقطع رأسه.!
وفي اليوم التالي حضر الساقي كعادته دائما ملثما حاملا جرته وبدأ بتوزيع الماء على الحاضرين ..
استغرب الملك رؤيته فسأله :
ما حكايتك...مع هذا اللثام؟
قال "جميل":
لقد أخبرني وزيرك يا سيدي أنك تشتكي من رائحة فمي الكريهة و أمرني بوضع لثام على فمي كي لا تزعجك الرائحة.
فسأله : وباقة الأزهار التي أعطيتك إياها؟
فأجاب "جميل" :
لقد أخذها الوزير و قال أنه أحق بها مني.
فابتسم الملك وقال :
والله إنه أحق بها منك...