الأحد 24 نوفمبر 2024

قصه وعبره

موقع أيام نيوز

عاش قديما تاجر بخيل
ليس لديه أحد سوى ابنته الشابة وكانت على قدر عظيم من الجمال لذا تسابق الشباب على خطبتها ..
لكن الاب كان يطالب بمهر باهظ جدا لها .. 
وكان المهر يزداد بضعة دنانير في كل مرة يأتي خاطب جديد .. فسألوه عن سبب ذلك فأخرج لهم دفتر ضخم وأخبرهم انه دون في هذا الدفتر كل مصاريف ابنته من طعامها وشرابها وملبسها ودوائها وحاجاتها المختلفة منذ ولادتها لغاية هذه اللحظة !!!

لذلك يتوجب على من يريد الزواج بها ان يعوضه عن تكاليفها وما صرفه عليها طوال حياتها .. 
ثم قال لهم :
انا أشقى وأربي ثم يأتي سعيد الحظ ليأخذها بين ذراعيه هكذا مقابل مهر تافه ... كلا ثم كلا .. 
يجب ان يغطي المهر كل درهم صرفته عليها خلال تلك السنين .
وأمام اصرار الوالد انسحب جميع الخاطبين .. 

فجائت ابنته وقالت :
انك يا ابي بذلك تجعلني كسلعة من سلعك تبيعني وقتما تشاء طالما تقبض الثمن .
قال الاب :
هذا غير صحيح .. ففي تجارتي عندما ابيع سلعة ما فأنا أكسب ثمن كلفتها زائدا الربح ... أما في حالتك فأنا لم اطالب بالربح مطلقا .. كل ما أريده هو ثمن الكلفة فقط !! صدقيني ..
هزت الفتاة رأسها باستياء وقالت :
لا فائدة ...
ثم اسرعت باكية الى غرفتها ..

بعد فترة من انقطاع الخطابة .. حضر اخيرا شاب وسيم وتقدم لخطبة الفتاة فقال له ابيها :
هل تعرف يا هذا مقدار مهرها حتى تأتي الى هنا ؟
- نعم يا سيدي .. فلقد أصبح ذلك المهر حديث البلد .
- اذن ينبغي ان تعرف ان المهر قد زاد عشرون دينارا منذ قدوم الخاطب الاخير قبل نحو شهر .

- بالفعل يا سيدي فلقد أجريت حساباتي وأنا هنا لأخبرك أني موافق على المهر الذي تطلبه ولكني سأدفعه لك بالتقسيط فأنا أعمل بوظيفة جيدة وسأعطيك نصف مرتبي والنصف الآخر أعيش به مع ابنتك زوجتي المستقبلية ان شاء الله .. وعلى هذا المنوال سأتمكن من سداد مهرها بعد ثمان سنوات .. ها ماذا قلت يا عمي ؟
فكر التاجر البخيل مع نفسه وخشي ان لا تأتي فرصة اخرى كهذا الشاب فأجاب :
مادام الدفع بالتقسيط وليس حاضرا فأنا مضطر ان ارفع السعر النهائي وهذا يعني ان عليك ان تدفع لي نصف مرتبك لعشر سنين وليس ثمان فقط ..
اطرق الشاب برأسه لحظات ثم قال :
موافق ... ولكي تتم هذه الصفقة يجب على كلانا ان نوقع على هذه الوثيقة التي تنص على أني ملزم بدفع ما بذمتي من قيمة المهر وأنه بعد سدادي لمدة الرهن فأن السلعة أي ابنتك المحترمة ستكون ملكا لي ومن حقي .
أخرج الشاب ورقة موقعة من قبله فأمعن فيها الوالد جيدا ثم قام بتوقيعها وحضر ايضا بعض الشهود من التجار المعروفين وقاموا بالتوقيع على العقد ..
وهكذا تم الزواج اخيرا بين الشاب الوسيم والحسناء ابنة البخيل ..

وبعد الزواج كانت الابنة تزور والدها باستمرار وتقوم بخدمته وتطبخ له الطعام الذي يحبه وتعمل على تسليته والترفيه عنه .. 
واستمرت على ذلك طوال عشر سنوات لم تنقطع عن زيارة والدها ولا اسبوع واحد بطلب من زوجها .. 
فلما انقضت مدة الأجل .. فوجئ الاب بانقطاع زيارة ابنته له فافتقد رفقتها واستئناسه بها .. ومرت الاسابيع ثم الشهور دون ان يعرف خبرا لها .. فسائت حالته وتردى وضعه المعاشي فأخذ يلهج بذكر ابنته ويضج بشوقه اليها .. وكان ان ندم ندما شديدا على تفريطه بها  فأخذ يجول في الطرقات كالمچنون بحثا عنها حتى اهتدى الى منزل زوجها بعد عناء .. فطرق الباب ففتح له زوجها قائلا :
نعم .. ماذا تريد ؟
- يا بني أنا والد زوجتك .. ألم تتعرف إلي ؟
- بلى لقد عرفتك .. ماذا تريد ؟
صدم الوالد المنكوب من هذا الموقف وتجاهل زوج ابنته له .. لكنه تحامل على مضض وقال :
أريد ان أرى ابنتي .. ولو للحظة .. ارجوك .. 
بل أتوسل إليك ..
- آسف يا سيدي .. تعلم ان بيننا عقدا وقد اصبحت ابنتك بموجبه ملكي لأنك بعتها لي بعد أن دفعت لك مبلغا هائلا .. لذا ليس لك الحق بعد الان بالمطالبة بها أو رؤيتها .. بل ان مجرد وقوفك على بابي يعتبر إخلالاً بالاتفاق .. إنصرف الان وإلا استدعيت الحرس ..
بكى البخيل على باب زوج ابنته وقال :
لا أريد نقودا بعد الان .. سأعيد اليك كل مالك الذي أخذته منك ولكن اسمح لي برؤية ابنتي مجددا .
- آسف يا سيدي .. الاتفاق قد تم ولا رجعة فيه .. ولكن اذا أردت عمل اتفاق آخر فسأقول انه يمكنك استعادة ابنتك مقابل ضعف المبلغ الذي دفعته لك ..
سكت الشاب لحظة ثم واصل حديثه :
ماذا الان ايها العجوز ..؟ هل تساوي ابنتك هذا المبلغ ؟ بل هل مازلت تعتبرها سلعة وتقارنها بالمال ؟ أم ان اموال الدنيا كلها لا شيئ مقارنة بها .. وأنت الذي استوليت على مهرها وهو حقها ؟
صاح الاب فورا :
انا موافق .. سأدفع لك ما تريد .
وهنا أخرج الشاب ورقة وقال :
اذن تعال لنوقع عقدا جديدا تدفع لي بموجبه ضعف المبلغ الذي قبضته مني مقابل إلغاء العقد السابق وعودة ابنتك لتزورك من جديد .
قام الاثنان بتوقيع العقد وشهد بعض الجيران على ذلك .. تلاها ان دخل الاب أخيرا وقابل ابنته فاستقبلها بين ذراعيه وقبلها بين عينيها وبكيا معا .. ثم اعتذر منها على صنيعه بها وبالغ في الاعتذار فقبلت ابنته يديه وقبلت اعتذاره .. وهنا دخل زوج ابنته وقال :
لقد اظهرتَ يا عماه ندما حقيقيا على ما صنعت لذا ...
وهنا اخرج العقد الجديد وقام بتمزيقه امامه ثم أضاف :
اعلم يا عمي ان البنات لسن سلع تباع وتشترى .. بل هن ودائع الرحمن ونعمه إلينا ... نحوطهن بأعيننا ونصونهن بقلوبنا لنحظى برضى الله ودوام توفيقاته علينا .

علق بذكر الله والصلاة والسلام علي سيدنا محمد