رواية رحلة الأثام (كاملة جميع فصول الرواية) للكاتبة منال سالم
ذلك التجمع لكن للغرابة ظل الغالبية حاضرين بالأسفل متجمهرين أمام مدخل البناية كما لو كانوا يترقبون حدوث شيء ما لم تعلق فردوس على ذلك وتغاضت عنه مثلما اعتادت أن تتغاضى عما يؤرقها مؤخرا هبطت الدرجات على مهل وساعدتها إجلال على رفع طرف ثوب عرسها لئلا تتعثر فيه وتتعرقل على السلم انتابها التوتر واختلط برهبتها من مجرد محاولة التفكير في تفاصيل ما سيأتي من ليلتها لم توضح لها والدتها أي شيء واكتفت بالقول الشائع عند العموم
وكأن في جهلها نعمة! لم تسع لاستنباط ما اعتبرته متجاوزا ولا يليق الحديث عنه طالما هي لا تزال ضحكت إجلال وخاطبتها في مرح
عاوزاكي بقى تدلعي يا دوسة ده يومك النهاردة
ردت عليها وهي تحاول النظر إليها من طرف عينها
ما توترنيش أكتر من كده
ضحكت مجددا وأكدت لها بمحبة صافية نابعة من قلبها
حادت ببصرها عنها محدثة نفسها في استياء
وأنا أعرفه منين ده زيه زي الغريب عندي
سرعان ما انتشر الحزن على صفحة وجهها لتتابع حديث نفسها المهمومة وقد دلفت من باب منزلها
منها لله اللي حرمتني من فرحتي الحقيقية!
الطريق إلى غرفة النوم الخاصة بالعروسين كان معروفا ومع ذلك لم تتركها والدتها أو خالتها بمفردها بقيت كلتاهما معها وهي تنتظر جالسة على الفراش قدوم زوجها للانفراد بها خجلت فردوس من تبديل ثوب عرسها وارتداء هذا الزي الوردي الشفاف الكاشف لكل ما هو مشوق شبكت كفيها معا ونظرت إليهما في استحياء أرادت أن تعتاد أولا على وجوده قبل أن تباشر طقوس هذه الليلة المميزة بادرت أفكار بالكلام حينما ساد الصمت لوقت فقالت بجدية غريبة رغم خفوت صوتها
حدجتها عقيلة بنظرة محذرة قبل أن تردد في تجهم عجيب باعث على الاسترابة
مالوش لازمة نحكي فيه دلوقتي
استغربت فردوس من حديثهما الغامض والموحي شعرت أنه متعلق بها وإلا لما بقيت والدتها على تكشيرتها تلك منذ مطلع النهار وحتى الآن لم تترك نفسها لحيرتها وتساءلت بقدر من الشك
هو في إيه
بصي يا بنتي إنتي لازما تبقي متأكدة إنه كلنا غرضنا نطمن عليكي تكوني آ
مبروك يا عروسة إن شاءالله الكل يفرح بيكي وأهلك يرفعوا راسهم
لفوق
كانت المرأة غريبة كليا عنها لم ترها مسبقا ولا تذكر أنها التقت بها في أي مناسبة سابقة كانت تعابير وجهها عابسة نظراتها توحي بالإظلام أحست بالخۏف يتسرب إليها ورغم ذلك غالبت شعورها الغريزي لتستنكر وجودها غير المسموح به هنا لذا سألتها فردوس في استفهام مشوب بالحيرة
لم تتمكن من الحصول على جوابها حيث لحقت بها امرأة أخرى تماثلها في ارتدائها للثياب السوداء وفي ضخامة الجسم وكذلك الملامح الجادة المكفهرة أمرتها الثانية في صوت صارم وهي تشير بيدها
افردي ضهرك كده يا عروسة
انقبض قلبها خيفة منها فنهضت واقفة لتوجه سؤالها إلى والدتها في توتر متزايد
مين دول يامه
شاركتها في الشعور بمشاعرها الخائڤة وحاولت بث الطمأنينة إليها فقالت وهي تمسح على وجنتها
مټخافيش يا ضنايا دول هنا عشانك
في التو انزوى ما بين حاجبيها وعلقت متسائلة في خوف أكبر
عشاني ليه
بلعت ريقها وقالت وهي تنظر من فوق كتفها للمرأتين المنتظرتين في الخلف
دلوقتي هتفهمي
صاحت المرأة الأولى تأمرها في صوت غليظ
اسمعي الكلام يا عروسة
ارتاعت فردوس من طريقتها المريبة في التعامل معها ناهيك عن تحيرها الكامل من سبب وجودها في غرفة نومها في مثل هذا اليوم راح شعور الضيق يتسلل إليها فالتفتت إليهما متسائلة في شيء من الھجوم
إنتو عاوزين مني إيه
هنا تولت أفكار دفة الكلام وأخبرتها في حنان زائف
بصي يا دوسة مش أنا فهمتك فوق إن في حاجات هنعملها بعد ما الزفة
استدارت ناظرة إليها وقالت وهي تومئ برأسها
أيوه بس مين دول برضوه
أجابتها بغموض جعل داخلها يرتجف
دول اللي هيقطعوا لسان أي حد اتكلم بالسوء عنك
استشعرت الخطړ بين طيات حديثها المفزع وسألتها بوجه راحت الډماء تفر منه بالتدريج
يعني إيه
ألصقت بفمها هذه الابتسامة السمجة وطلبت منها وهي تدفعها برفق تجاه الفراش
اسمعي بس الكلام وهتعرفي
مرة ثانية استطردت المرأة الأولى مخاطبة فردوس بنفس الصوت الآمر
نامي على ضهرك يا عروسة
اضطرت أن تستجيب لأمرها المريب وتمددت على الفراش بعدما تزحفت للخلف لتريح ظهرها على عارضته الخشبية افترقت المرأتان وجلست كل واحدة منهما على طرف الفراش فأصبحت فردوس محاصرة بينهما مجددا تكلمت المرأة الأولى تأمرها بصوتها الجاف
لما نبدأ سيبي نفسك وبلاش تتشنجي
رمقتها بهذه النظرة الحيرى قبل أن تدور بعينيها الزائغتين باحثة عن والدتها نكست الأخيرة رأسها في خزي فقد كانت لا حول لها ولا قوة تقف بلا حراك تنتظر مثل البقية ما سيحدث تكلمت المرأة الأولى في صيغة آمرة
نادوا على العريس
تحركت أفكار من موضع وقوفها هاتفة في حماس غريب
أنا هاروحله
اندهشت فردوس من برود خالتها أنبأها حدسها بأنها على علم مسبق بما يجري وأنها أرجأت إطلاعها على ذلك خوفا من رفضها اختفت أفكار قبل أن تتمكن من الاستفسار منها لذا لم يكن أمامها سوى والدتها لتسألها في تخبط مخيف
هو هيعملوا فيا إيه يامه
لم تجرؤ على النظر في عينيها وإعلامها بما تم تقريره ظلت تقول في شيء من الأسى والتعاطف
مش عارفة أقولك إيه والله بس نصيبك كده
راحت تتصارع الهواجس المرعبة في رأسها بشكل جعل بدنها يرتجف زاد تلاحق دقات قلبها حتى كلمات والدتها لها لم تكن مشجعة بالمرة صاحت فيها مرة أخرى كأنما تستنجد بها
يامه قوليلي بس إنتو ناويين على إيه
تنهدت في مرارة وقالت بما ضاعف من هلعها
اصبري واستحملي
استطردت المرأة الأولى تتساءل بجدية
في حد من أهل العريس برا
جاء رد عقيلة مصحوبا بإيماءة من رأسها
أيوه عمته وكام حد تبعه
أمرتها في نبرة حازمة
خلي 2 منهم يجيوا معانا
استبد ب فردوس كل القلق وتساءلت في فزع بائن في صوتها
وأيضا نظراتها
ليه كمان
امتثلت عقيلة لأمر المرأة وسارت تجاه باب الغرفة والحزن يشع من عينيها بينما هدرت فردوس محتجة عندما شرعت المرأة في الإمساك بها من كتفها كأنما تثبتها في موضعها
ابعدي إيدك عني مكتفاني ليه
زادت من قوتها عليها ثم أمرتها في نبرة غير متساهلة ونظرة مخيفة تنبعث من حدقتيها
ريحي جتتك يا عروسة احنا جايين نطمن عليكي ونطمن الحبايب كلهم!
قڈف قلبها بقوة عظيمة فهتفت تستغيث بأمها وهي تحاول التخلص من قبضتها المحكمة عليها
يامه! إنتي هتسبيني معاهم
ردت دون أن تنظر تجاهها
جايلك على طول
لم تهدأ خواطرها ولم يستكين داخلها بل بدا وكأن كل خۏفها قد تجمع الآن ليزيد من فزعها أصبحت فردوس الآن في موضع لا تحسد عليه تترقب بغير معرفة ما سيحدث لها
تمنى لو انشقت الأرض وابتلعته فلا يكون ضليعا في أمر مخز كذلك سعى عوض بشتى الطرق لإيقاف هذه الفعلة النكراء ورغم كل جهوده المبذولة إلا أنه لم يفلح أمام طوفان إصرار أفكار العنيد وكأنها اتخذت الأمر ثأرا شخصيا إرضاء لحفنة من البشر لا يهمهم سوى والنيل من سمعة الأنقياء ظل باقيا بالأسفل رافضا الصعود والمشاركة فيما يعرف به قبل وقت سابق ادعى انشغاله بتوديع من جاء لتهنئته محاولا إضاعة الوقت لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن حيث نادته أفكار من عند بداية سلم الدرج بصوت مرتفع ومليء بالابتهاج كما لو كانت تفتخر حقا بكشف ستر لحمها
سي عوض جماعتك مستنين جوا عاوزينك تبشرنا
تحرج كثيرا من كلامها شبه والذي أتبعه ضحكات عابثة ممن يقفون حوله تلاها تعليقات شبه متجاوزة كنوع من التحفيز له ابتعد عنهم ليدنو منها وعلى قسماته هذه التكشيرة الكبيرة همس لها وهو يكز على
أسنانه محتجا
اللي إنتي طالباه مني مش هيحصل
لطمت على صدرها صائحة في استنكار
يا نصيبتي!!!
ارتبك من صوتها المرتفع وتلفت حوله ليتأكد من عدم متابعة أحدهم لحوارهما لم تكن مثله تخشى من لفت الأنظار بل قالت في تحد مغيظ له
عاوز تفضح البت قصاد الخلق!!
عقب عليها في عناد
وأغضب ربنا عشان أرضي الناس
زمت شفتيها متمتمة
ربنا غفور رحيم
ثم لكزت جانب ذراعه تستحثه في تصميم أشد
اللي يهمنا دلوقتي سمعة بنتنا والكل واقف وشاهد
أخبرها بمعارضة تفوق إصرارها
محدش فارق معايا من الناس
هاجمته في تحفز وقد ارتفعت نبرتها إلى حد كبير
يعني مش مكفيك عمايل أخوك جاي تكمل عليها وقصاد أمة لا إله إلا الله
مجددا الټفت ورائه لينظر للحفنة المرابطة خارج مدخل البناية كانوا لا يزالون منشغلين عنه عاود النظر إلى أفكار وقال بصوت خفيض
هي بقت مراتي واللي بينا مايصحش حد يعرفه!
أصرت عليه بلهجة من يقرر رافضة النقاش أو حتى مراجعتها في الأمر
إلا دي بالذات الكل هيتأكد ولو مش ناوي تعمل ده بنفسك يبقى تقف وتتفرج
برزت عيناه في صدمة لم تتدعه لذهوله وأكملت إملاء أوامرها عليه في حسم
وما تعلقش تاخد الأمارة وتفرح كل الموجودين
توسلها في رجاء
يا خالة آ
قاطعته بلا تفهم
ده اللي عندي!
رمقته بهذه النظرة الازدرائية قبل أن تهم بالصعود على الدرج ليضطر في أسف أن يتبعها وهو مشفق تماما على زوجته التي ستختبر نوعا شديدا من المهانة تلك التي لن تمحى تفاصيلها من الذاكرة مطلقا!
تكالبت عليها النساء وأحطن بها من كل جانب لتثبيتها فانتفضت وثارت وحاولت تجريدهن لما يسترها صړخت واستغاثت وارتفع صوت توسلاتها لكن الكل سد أذنه عنها تركوها تبكي بلا ذرة إشفاق منهن حتى حينما جاء عوض واستنجدت به تجمد موضعه ولم يقدم لها العون كان مثلهن شاهدا على سحق روحها ضاقت أنفاسها وتساقط
عرق غزيز منها وهي تقاومهن سرعان ما تشنج جسدها وتقلصت عضلاتها ارتعشت أكثر عندما قامت إحدى المتواجدات بالمباعدة بين ساقيها صاحت بها من يقال عنها أنها عمة زوجها تأمرها
اتني رجلك شوية يا عروسة
لم تسهل عليها الأمر وضمتهما بقوة لتحول دون وصولها إلى موطن سرها لكن امرأة أخرى من أقارب زوجها عاونتها على فصل ساقيها هتفت فردوس تلوم والدتها بحړقة تقطع نياط القلوب
هتسبيهم يامه يعملوا فيا كده
رأفة بها كادت عقيلة تتحرك تجاهها وتوقف ما يفعلن إلا أن شقيقتها منعتها وأمسكت بها