لعبة عاشق بقلم يسرا
تاركة ورائها بقعة أكبر مبللة بالمياة النظيفة وإن أرتدتها بتلك الحالة فستصاب بداء الرئة على أسوء تقدير عادت مرة أخرى لحيث مكتبها وقررت رفع سترتها أمام تيار المكيف الساخن الذي يعلو الحائط خلف مكتبها لعلها تجف قليلا وقفت لدقائق عدة قبل أن تسمع نغمة مميزة لأذنيها للغاية تلك النغمة التي تصاحب وصول المصعد للطابق وتنبأ عن خروج شخص منه ولابد أنها مدام هدى التي أصبحت منذ أشهر قليلة مديرة لقسم الحسابات بالشركة والتي تعمل فيها منذ أكثر من خمسة عشر سنوات قد صعدت لها كعادتها رافضة الاستعانة بالساعي حاملة لتلك الأرقام التي طلبتها منها آنفا طلبا لصحبة وثرثرة نسائية عابرة فقالت دون أن تلتفت
واتبعت ضاحكة بإستهزاء
.. زى ما أنت شيفاني متنشره بالجاكته
لم يظن أنه من الممكن أن يقف يتطلع لجسد إمرأة بتلك النظرة من قبل فهو دائما يغض بصره محترما للنساء من حولة لاكنة تغير كذلك نظراته كذلك مدام درية بهيئتها المتزمتة دوما! سترتها المغلقة والمحكمة أصبحت معلقة للأعلى نحو تيار جهاز المكيف الساخن وذراعها البض عاري والآخر لا يكاد يراه جيدا وتنورتها التي كانت فيما مضى لا يظهر منها سوى إتساع قرب منتصف ساقيها لا يرى منها سوى ألتفاف محكم أما خصلات شعرها العسلية المموجة والمربوطة دوما بجديلة أما أسفل ظهرها أو أعلى رأسها كتسريحة جدته رحمة الله عليها قد انفرط عقدها واسترسلت خلف ظهرها لتصل لمنتصفه ولولا صوتها المميز ببحته لظن أن جاسر قد عين في غيابه موديلا تصلح لمجلات الاثارة التي كان يبتاعها زياد فى صغره! ارتبكت درية عندما لم تعثر على شاردة صوت من هدى التي ما أن تراها حتى تندفع بثرثرة فما بالها بهيئتها المٹيرة للتعجب فالتفتت على استحياء ووجدته واقفا بشحمه ولحمه يتطلع إليها بنظرة لم تعلو قسمات وجهه قط عندما كان يراها هي أو أي إمرأة على وجه الأرض من قبل أخفضت ذراعها فورا وهي ترتدي سترتها التي لا تزال مبتله تحت أنظاره وهي تقول بإرتباك بصوت مرتجف
اقترب منها ولازالت نظرة التسلية تعلو ملامحه الجديدة بالنسبة لها فخصلات شعره قد استطالت وجمعها بعقدة مطاطية خلف رقبته كما أنه تخلى عن سترته العملية ليرتدى بدلا منها الجينز الأزرق الباهت وسترة من الجلد الأسود الطبيعي تعلو تيشرت ناسع البياض بلل طرف شفتيه وهو يقول بإبتسامة ماكرة
تلك المرة الأولى التي يتخلى فيها عن الألقاب الرسمية والتي يحرص على استخدامها مع الجميع والسبب واضح فهيئتها منذ قليل كانت لتكون في غرفة خاصة وليس بهو طابق رئيس مجلس الشركة ! فاحمرت وعبست وقالت باستياء موجهة له نظرة مؤنبة إذ كان يتحتم عليه أن يعلن عن وجوده أو الأقرب يغض بصره كما كان دوما يفعل
هي تصرفه بأدب وبرود كان ليشعر بالضيق والخجل فى السابق ولكنه اليوم وفي تلك اللحظة الاستثنائية اسند ذراعه على سطح مكتبها وهو يقترب منها وعطره المثير يلفح أنفاسها
.. طب مش هتطلبيلي حاجه اشربها واتطمن منك على الشغل وأخباره
فرفعت سماعة الهاتف بحزم وهي تملي المتلقي بكلمات معدودة
وضعت سماعة الهاتف وناولته نسخة من الملفات المتأخرة التي لم يطالعها منذ ثلاثة أشهر كاملة كانت احتفظت بها له صامتة..أخذها منها وهو يغمز لها بعينه
.. على فكرة بشربها سادة دلوقت
وانصرف لغرفة أخيه.. ولم تكن هي لتعيد على مسامع محفوظ تغير ذوقه على أية حال فهي أم لثلاث وأمر تغيير طلبات المأكل والمشرب غير وارد لصغارها فكيف برجل ناضج يبلغ أربعين عاما! العمليات الحسابية جزء لا يتجزأ من حياتها اليومية مضت نحو المصعد وهي تحمل بقالة تكفى عشاءا وفطورا لأطفالها وهي تحصي الجنيهات بيدها الأخرى ١٦ جنيه ربع جبنه٢٠ جنية ربع بسطرمة! كيف ومتى قفزت الأسعار تلك القفزة الچنونية! عقدت حاجبيها وهي تفتح الباب وكادت أن تصطدم بالخارج منه وعادت للخلف خطوتين و لولا أنه أسرع ومد ذراعه نحوها لكان نصيبها حتما سقطة مهينة من فوق الدرجات العريضة تحت ناظريه عبست بشدة فى وجهه وتمتمت بحرج شديد
تنحنح قائلا بحرج هو الآخر
.. أنا اللي آسف زقيتك منغير مقصد كنت مركز فى حالة مريض كده شغلاني.
ولمح بفطنته خطواتها المتقافزة نحو المصعد فقال
.. آسف مش هعطلك أكتر من كده
ودون أن تلتفت له مرة أخرى قالت
.. معلش أنت عارف الولاد بيبقوا قاعدين لوحدهم
ووقف هو يتطلع اللمصعد المغلق إثرها يتابع بعينيه تلاحق الأرقام المضيئة على شاشته ونسي تماما حالته التي تنتظره في المشفى منذ أن انتقل للعقار منذ خمس سنوات وشغلته تلك المرأة التي تعيل بمفردها أسرة مكونة من ثلاثة أطفال أشقياء..أشقياء جدا فى الواقع بل الصغير وحده. متذكرا حوادث الصغير المتتالية آخرها حريق أشعله بمراب العقار منذ شهران تقريبا عندما كان يجري تجربة على سرعة إشتعال الحرائق بكميات مختلفة من الجازولين أما الأوسط فصبي يبلغ إحدى عشر عاما معتدل في الطول معتدل في الهدوء والكبير البالغ ستة عشرة أعوام أكثرهم هدوءا ورزانة كأمه بالضبط وهو الأعزب