الغابه
انت في الصفحة 2 من صفحتين
كشفت يدها وفتحت كفيها، فظهر فيهما البسكويت والشيكولاتة، وعادت تقول:
_ انظر ماذا أحضرت لكَ، لا تخف، ولا تُخفي نفسك.
صمتت وسكت الصوت لثانيتين، ثم قالت بصوت يرتعش:
_ لا تُخيفني أرجوك.
ومن خلفها ظهر رجل والنحل يحاوطه، فانتبهت في ذعر، فمد يده تجاهها، صړخت وركضت دون هدى، ركضت حتى كادت أن ټنفجر ساقيها، وأخيرًا وصلت إلى مخرج من الغابة، فوجدت شيء متكوم تحت ربوة، الشيء الذي رسمته بكل تفاصيله، آنسته، دنت منه، فقالت تسأله:
قال مكلومًا:
_ الشبح المنبوذ
قالت في دهشة:
_ ومن صاحب النحل؟
قال وقد رفع وجهه، فأبصرتْ ميسليا وجه لطيف عينيه تتلألأ بالدموع:
_ رجل يريد القبض عليّ
فسألته:
_ ولماذا يريد القبض عليك؟
_ لأن الجميع يريد أن يكون له السبق ويقبض على الشبح المنبوذ، وأني رحلت تاركًا كل شيء لأجل أن يتركونني وشأني، فلم أُفلح، فتتبعونني، واحد تلو الآخر.
_ ولكنني وصلت إليك، وبسهولة سيأتي هو الآخر ويقبض عليك، يجب أن تختبأ.
_ لن يستطيع، أنا الآن احتمي بكِ، أنا داخلكِ يا ميلسيا.
ومد يده وفتح كفيها، واللذان قد طبقتهما وهي تجري خوفًا، فأخذ ما تبقى من البسكويت والشيكولاتة، فقد سقط معظمهم من ركضها، أكل منهم، ومسح دمعه وقال:
_ الناس يا ميلسيا هم من يختلق الأشباح، منهم من ينسج شبحًا ېخاف منه، ومنهم من ينسج شبحًا يصاحبه، ومنهم من ينسج شبحًا ليمارس عليه قوته.
فاقت ميلسيا على صوت طرقات على باب غرفتها، أخذت أنفاسها من الغفوة، وقالت: تفضل بالدخول.
دخل أبوها يحمل كوبًا من اللبن الساخن، وضعه أمامها، ثم لفت نظره الرسمة وكلمات ابنته عليها، أمسك بها يتفحصها، وقال في هدوء:
_ أحب كتاباتكِ ورسمكِ، أحب أن تصنعي عالمكِ دون خوف، وأن تواجهي كل شيء بإرادة وعزم.
_ أرأيت في صغركَ غفوة ما يا أبي؟
جلس وتحسس شعرها الناعم الطويل وقال:
_ وهل منا من لم يحظى بغفوة يا ميلي؟ بالطبع غفوت، وتخيلت الشبح في الغابة البعيدة، و
قطعت حديثه وقالت:
_ أرأيته؟! رأيت رجل النحل والشبح المسكين؟
_ نعم، لقد رأيتهما، إن الإنسان في معظم الوقت يكون أسوأ من الأشباح، فإذا تخيلنا أن الأشباح سيئون، فهذا لن يتعدى الخيال أبدًا، أما الواقع فلا أشباح تسكنه، بل الناس، الناس فقط.
قبّلَ وجنتيها، وذهب وهو يبلغها بميعاد النوم، أغلق المصباح، ودعها، توارى عن نظرها، فتهادت تحت غطاؤها، وسحبته عليها وهي تنظر إلى صديقها الشبح، أغمضت عينيها آملة أن تراه مرة أخرى.