حكاية العصفور وزهرة النرجس
انت في الصفحة 1 من 4 صفحات
حكاية العصفور وزهرة النرجس
كان يوما هاهنا..
عصفور الأمس أو عصفور الظل كما كان يحب أن يناديه الآخرون .. كان كمثل كل العصافير هنا مدورا أسمر الريش ضعيف الجناحين دقيق العين وإن كانت بصيرته المحلقة دوما فوق التفاصيل الصغيرة لحياة أقرانه من صغار العصافير قد جعلته محط الأنظار فأدرك ذاته مختلفا عن الجميع..
وكان ..
أن حط يوما فوق شباك صغير من شبابيك ابنة الغجري الملصقة فوق منزلها القديم الذي لم يكن يبعد كثيرا عن النهر ذلك المنزل الذي كان الجميع يخشون الاقتراب منه إذ كانوا يعرفونه بيتا مسكونا تغشاه الأشباح والعفاريت وكان بالفعل يبدو هكذا في قيامه وسط لفة النخيل المتراشقة القائمة كسياج يحوطه خلف الباب الحديدي المغلق دوما والمزين برسوم صدئه لوجوده شيطانيه مفزعه..
هكذا بدأ العشق المستحيل ما بين عصفور الأمس والمرأة الطفلة حين أصبح لقاء الصدفة هذا هو لقاء يومي اتخذ لنفسه من الغروب علامة وموعدا .. وكأنما صارت هي إليه العش الحميم والمأوى الأخير .. وهو طائر الڼار الذي يحمل معه أحلام فتيات الغجر ليحلق بها فوق كل الحدود المزيفة التي يصنعها لهن الآباء الهاربين من جلودهم المتطلعين إلى حياة الاستقرار داخل المدن الصناعية الغريبة.
وكانت هي بعدها تطلق إليه بعضا من نغمات صوتها المسحور تغنى أغنية البكارة الشهية حتى يأخذه الطرب فيما هو يستحم بعسل العينين الحالمتين فلا يملك إلا أن يحلق نشوانا في دوائر لا تنتهي حتى تلقى به أجنحته الواهنة بين جدائل نخله قريبة كان قد اختارها مكانا للنوم يسمح له بالنظر إلى محبوبته النائمة من بعيد فيقضى أوقاته متقصيا تفاصيل الكيان المرمري الذي كان يضئ كل ليله بلون جديد من ألوان الأحلام الساخنة التي تمنحها الحياة لمثلها من النساء الأطفال .. وهكذا .. مضت حياة العصفور ما بين لقاء الغروب وأحلام الليالي