الأحد 24 نوفمبر 2024

الملك والبوستاني

انت في الصفحة 2 من صفحتين

موقع أيام نيوز

 وتسعين نظر حوله لعلها سقطت ،منه ونادي إمرأته ومعها الأولاد فبحثوا في الغرفة تحت الطاولة ووراء الأسرة ،ثم بحثوا في كلّ الغرف ،وقلبوا كل شيئ ،ثم إتّهم البستاني إمرأته بأنّها من سرقها وأخفتها، فتخاصما خصومة شديدة وعلا صوته عليها وڠضبت المرأة ،ولم تطبخ عشاءها كالعادة، ولم تجتمع العائلة حول المائدة الصّغيرة ،وغابت عنهم السّعادة تلك اللّيلة لأجل دينار واحد بات البستاني ليلته يفكّر كيف سيعوّض القطعة النّاقصة ،ثمّ وجد حلاّ ،فهو سيتمّ عمله بسرعة في القصر، ثم يبحث عن شغل آخر ،وبعد أيّام بدأ يظهر التعب على البستاني الذي صار يعمل كل اليوم ،ولا يعود لداره إلا في وقت متأخر ،وكان الوزير يراقبه ويرى ماذا يفعل ،وفي النهاية ربح الدينار الذهبي ،لكن عوضا أن يعود إلى حياته الهادية أعجبه جمع الذّهب ،فصار يقتّر على أهله ونفسه ،حتى جاع صبيانه ولم يعد البستاني يغني كعادته إنما صار كل همه الإنهاء ليذهب لعمله الثاني ،ولم يعد يعتني بنفسه ،هندامه فطالت لحيته، صارت رائحته مقرفة ،ولما يرجع لا يفكر سوى في النّوم ونسي أسرته وغاب الحب والحنان  على الدار ،وصار ېصرخ على أبنائه ،إن قاموا بأقلّ ضجّة أن كان يقوم ليقبّلهم ،ويلاعبهم عند عودته.

فاستمع الملك للوزير جيّدا  الذي طلب منه تفسير ما حدث لذلك الرّجل الذي كان سعيدا ، وعوضا أن يفرح بما وجده من ذهب فقد صار تعيسا مهموما لا يكحل النوم جفنيه ثم أخبره الوزير:إن البستاني تعوّد منذ الصّغر على الحياة البسيطة وأقصى حلمه  أن يعيش مع أسرته  في بيت يأويه يأكل معهم ويشرب ،ويلبس ما ستر  وقد كانت هذه حال أبيه من قبله وهو سعيد بحياته لا شئ ينغص عليه شيئ.ولكن فجأة دخل على حياته ىشيئ غير معهود، لقد صار معه تسعة وتسعون قطعة ذهبيّة ،فأراد المزيد، لأنه إنتقل من حال لآخر فلم يعد يعيش ليأكل فقط ويشرب فلقد إنفتحت عينيه عن الدّنيا  ،هل تعرف يا مولاي  أنّ الإنسان إذا رزق بالنّعمة فجأة، فهو لا يعود يقتنع بما لديه حتى ولو كان يكفيه، قد تسأل نفسك لماذا؟ والجواب لأنّه ېخاف دائما من الفقر، أما الغنّي الذي لم يعرف الفقر ،فيفعل ذلك لضعفه ،فقوّته هي فقط في ماله ،فطأطأ الملك برأسه ،وقال للوزير: لقد أصبت، فأنا لا أثق بأحد ممّن هم حولي وأخشى جيراني من الملوك ،فبماذا تنصح لي يا وزير ؟ فردّ : إن زرعت شجرة ثابتة الجذور، فلن يقتلعها أحد لا العواصف ولا السيول .
فهم الملك الدّرس، وبدأ في بناء المساجد ،والمستشفيات ،والجسور،فأحبّته الرّعية وهابه أعداءه، أمّا البستاني فأعطاء  الملك ركنا من حديقته الواسعة له ولأطفاله وفيها أصناف  الثمار والرّياحين وصار يبيع منها في السّوق فحسن حاله ،ورجعت إليه البسمة فلم يعد يخشى الفقر ،أمّا الملك فلم يعد يخشى من حوله ،فالمال يكمل دوما الحاجة التي تنقصنا قد يكون خوفا أو ضعفا و مكنونات النّفس كثيرة لا يعلم بها إلا خالقها .💜

انت في الصفحة 2 من صفحتين