رواية لم يبق لنا إلا الوداع بقلم منى أحمد حافظ
عليك أنا أول مرة أشوفك زعلان للدرجة دي
مد أمجد يده وأدناها منه وضمھا بامتلاك قائلا
بعد ما مشيتي واحد صاحبي من منطقة سكني القديمة اتصل وبلغني إن في واحد زميلنا اتوفى بصراحة أنا كنت فاكره عامل مقلب فيا لكن لما اتأكدت من الخبر مكنتش مصدق فأخدت بعضي ومشيت ومردتش أتكلم معاك علشان مكسرش فرحتك بعد العزا قعدت شوية مع والده ووالدته وبسبب الحالة اللي شوفتهم عليها مقدرتش أرجع على البيت وفضلت الف فالشارع لحد ما حسيت إن نفسيتي هديت من الخنقة اللي كنت فيها أنا عارف إن ملكيش ذنب أكسر فرحتك بابننا بس صاحبي دا كان له معزة كبيرة عندي ولحد اللحظة مش متخيل أني خسرته
ادعي له يا أمجد وأعمل له صدقة جارية باسمه دي أفضل حاجة تعملها لصاحبك علشان يعرف أنه
ساب وراه الصاحب الصالح
التقط أمجد يدها وقبلها وأومأ لها قائلا
أنا مش عارف من غيرك يا ليان كان حصل إيه حقيقي أنت ونعم الزوجة الصالحة اللي ربنا أكرمني بيها المهم أنا عارف إن دمي تقيل شوية بس صدقيني هحاول أعوضك عن القلق والخۏف اللي اتسببت لك فيهم بس قصاد كده عايزك فأي زيارة للدكتورة تخديني معاك علشان أشوف ابني وأسمع دقات قلبه واطمن عليك من الدكتورة وإن شاء الله لما الدكتورة تأكد لي أن ما فيش أي ضرر عليك من السفر هاخدك ونسافر أي مكان أنسيك فيه أي حاجة عملتها بقصد أو دون قصد وزعلتك مني
إلا البنت اللي اسمها منار ورفضت تشتغل فالمؤسسة ملحظتش أن تصرفها كان غريب يعني واحدة جاية علشان مقابلة شغل المفروض أنها تكون ملتزمة أكتر من كده ولا أنت إيه رأيك
مش عارف بصراحة أساسا أنا بعد ما سالتها عن كام حاجة حسيت أنها مش مظبوطة حركتها مريبة ونظراتها مريحتنيش ففكرت أني لو رفضت أنها تشتغل ممكن تستغل الرفض وتطلع تتكلم عن المؤسسة علشان كده قدمت لها عرض تافهة رفضته وبصراحة أنا استغربت أنها كانت لسه موجودة فالمكتب ولولا أنها مشيت كنت هتطردها
قبض على إصبعها وقبله قائلا
وأنا تحت أمرك يا حبيبتي ولو تحبي أنا ممكن امشي أي موظفة فالمؤسسة وأجيب مكانهم رجاله علشان مراتي حبيبتي تبقى مطمنة
لا يا حبيبي أنا بهزر معاك أنا صحيح بغير عليك لكن ثقتي فيك ملهاش حدود
لم تدر منار إن كانت ستتجاوز محنتها أم لا ولكن ما تدركه أنها تشعر بالالم يزداد يوما بعد يوم وكيف لا وهي تراه الآن بكثرة وكأنه يتعمد أن تتقاطع سبلهما معا تمنت لو يبتعد ويعطي قلبها الفرصة ليبرأ جرحه ولكن هيهات فالأمر بات وكأنه يطاردها من مكان لمكان تارة تراه بجامعتها وتارة بعملها حتى أيقنت أن وجوده بات لعڼة تلازمها ولا تترك لها الفرصة لتنساه
بين ثنايا غطاء فراشها وأخفت به وجهها وأطلقت لدموعها العنان فاليوم رأته كما اعتادت ولكنه كان بصحبة زوجته يعاملها بحنان لم تره منه من قبل ويدللها ويلمسها وكأنها من بلور يخشى عليها من الكسر ازدادت دموع حسرتها فهو لم يترفق بقلبها ومزقه دون رحمة ولم
وأمام فراشها وقفت رنا تحدق بجسدها المهتز بحزن واستدارت عنها واتجهت صوب شقيقتها وزفرت بضيق قائلة
هو احنا هنفضل ساكتين وسيبين منار فالحالة اللي هي فيها دي أنا مش عارفة هي هتفضل ټعيط وتتعذب لحد أمته دي بقت بتيجي كل يوم من الكلية وتدخل سريرها تستخبى تحت الغطا وټعيط
ربتت هالة كتفها برفق وأردفت
الموضوع مش سهل عليها يا رنا وأختك محتاجة لوقت علشان تنسى وللأسف احنا ما فيش فأيدنا أي حاجة نعملها غير أننا ندعي لها إن ربنا يهون عليها ويخفف عنها ۏجعها
عقدت رنا ما بين حاجبيها وأردفت بحدة
يعني هي تتالم وتتوجع هنا وأمجد عايش حياته ولا على باله عارفة أنا ساعات بفكر أروح أقول لمراته على اللي عمله فمنار علشان يدوق الۏجع زيها لما تسيبه
تجهم وجه هالة وقبضت على كتفي شقيقتها بحزم وأردفت
إياك يا رنا تفكري في حاجة زي كده وأوعي تستسلمي للشيطان وتفتكري إنك لما تكشفيه ويطلق مراته أنك بكده رديت حق منار لا يا رنا أنت كده هتبقي وجعتي مراته وبدل ما أختك بس اللي پتتعذب هتبقى مراته كمان وبعدين متنسيش إن منار قالت إنها حامل يعني كلام زي دا ممكن يأثر فيها ووقتها هيبقى ذنبها وذنب البيبي فرقبتك
احمر وجه رنا خجلا وخفضت رأسها قائلة
أستغفر الله العظيم أنا مش عارفة أزاي فكرت كده ربنا يسامحني بس أنا مكنش فدماغي أي حاجة من دي وكنت فاكرة إن هو بس اللي هيتوجع
هزت هالة رأسها بالنفي وأردفت
لا يا رنا لو على أمجد فهو مش هيتوجع مهما عملنا علشان هو مرتب نفسه لكل حاجة وإلا مكنش قدر يخدع منار ويخدعنا كلنا طول الوقت دا ولو على مراته فهي ملهاش ذنب وحرام نأذيها عموما أنا زي ما قلت لك أدعي لأختك وإن شاء الله ربنا هيخفف عنها ويعوضها عنه بالأفضل
أطرقت رنا برأسها أرضا وحاولت أن تبعد عن عقلها أمرا أمجد وزفرت پخوف وعينها تختلس النظر إلى شقيقتها بعجز
ولم تدرك هالة ورنا في تلك اللحظة أن القدر كان له ترتيبه الخاص للأطراف كلهم فلا شيء يترك للصدفة ولا لعبث الأشخاص فلكل أمر مهما استصغره المرء ثمنا عليه سداده مهما طال أو قصر الزمن خاصة حين يمس القوارير الذي أوصى النبي عليه الصلاة والسلام برعايتهن بقوله استوصوا بالنساء خيرا
وحاشى لله أن يظلم أحدا أو يترك أمرا مظلمة دون عاقبة ومن يظن نفسه سينجو دون حساب فعليه مراجعة نفسه حتى وإن أمهله الله الوقت سنوات وسنوات فإنه يمهله الفرصة ولكنه لا يهمل أبدا
بعد مرور شهر على طلاق أمجد لمنار وتعمده الظهور بكل مكان هي فيه أرسل أحدهم وعقد صفقة عمل بينه وبين شركة سامر وها هو بات على موعد جديد معها ليزكي نيران عڈابها فرؤيته شحوب وجهها وضعفها يزيده نشوة وعليه زيادة معاناتها لتدرك ما خسرته
خطى أمجد في اليوم التالي بثقة نحو شركة سامر يمني نفسه بسداده ضړبة أخرى إليها بينما داخل مكتب سامر جلست منار توضح أهم نقاط تصميمها الأخير في حين أنصت إليها سامر ولكنه صب كامل اهتمامه ونظراته عليها وتفحصها بعينه يتمنى لو تخبره سبب انطفائها المفاجئ انتبه سامر بعد مرور دقيقة كاملة لسؤالها إياه عن رأيه بما أخبرته بشأن تصميمها فازدرد لعابه بحرج وأردف
التصميم روعة وبصراحة أنا بتمنى أنك تمضي عقد وتبقي من ضمن فريق الشركة الهندسي
حدقت به منار بشيء من التيه في بادئ الأمر وحين تفهمت عرضه أدركت أنها بعملها بشركته ستكون عرضة بشكل أكبر لمصادفة أمجد وهو الشيء الذي باتت تبغضه وتكرهه وتتمنى إلا يقع بصرها عليه مجددا فزفرت بأسف وهزت رأسها مردفة
أنا حقيقي مش عارفة أقول لحضرتك إيه بس أصل أنا كنت جاية النهاردة علشان أقدم لك التصميم وأبلغك أني مش هقدر أعمل أي تصاميم تانية الفترة الجاية علشان محتاجة أركز فدراستي بشكل أكبر
باغتته بقولها وبهتت ملامحه وهو ينظر إليها وأدرك من تهربها من مواجهة نظراته بأن الأمر أكبر من احتياجها للتركيز فزم شفتيه وترك مقعده وسالها بقلق
منار هو أنا
ينفع أسالك سؤال شخصي وتجاوبيني بصراحة
ارتجفت من نظراته وتراجعت هربا وهزت رأسها بالرفض ولكنه لم يقبل رفضها واقترب منها قائلا
مين السبب فالحالة اللي بقيتي فيها دي
استدارت عنه ورفضت إجابته وهمت بمغادرة مكتبه فسارع سامر واعترض طريقها مردفا
أمجد السبب فالحالة دي مش كده
تصلبت ملامحها وهي تبادله النظر وزفرت بقوة قائلة
لو سمحت يا بشمهندس سيبني أمشي ويا ريت بعد كده تخلي كلامنا فحدود الشغل وبس عن إذنك
تجاوزته لتغادر وليتها لم تفعل فما أن مست يدها مقبض الباب حتى دفعت بغتة إلى الخلف وقد اختل توازنها فسارع سامر بإسنادها في اللحظة نفسها التي ولج فيها أمجد فوقف يبادل نظره بينها ملامحها الباهتة حينها تمنت منار لو تنشق الأرض وتبتلعها في حين رفع سامر يده عنها معتذرا بينما ارتسم الجمود على ملامح أمجد الذي عقد ساعديه مردفا
ممكن أفهم إيه اللي بيحصل فالمكتب بينك وبينه يا الأستاذة
أثار سؤاله ڠضبها فرفعت وجهها ونظرت نحوه بكراهية بينما تابع سامر ملامحها وتعجب لنظراتها النافرة وهم بإجابته ليمنعه صوت منار الحانق بقولها
اسمي البشمهندسة منار مش الأستاذة واللي بيحصل هنا ميخصكش يا بشمهندس فيا ريت تلتزم بحدود اللي يخصك وبس
صڤعته بإجابتها واستدارت عنه بإهمال ونظرت إلى سامر الذي ازداد فضولا ورغبة لمعرفة ما حدث بينهما ليتفاجأ بها تخبره
أنا مضطرة أمشي يا بشمهندس وبالنسبة لعرض الشغل أوعدك إني هفكر فيه بجدية بعد ما استشير والدي وهرد عليك فأقرب وقت وبعدين حضرتك لازم تكون واثق إن مافيش حد عاقل يقدر يرفض عرض مميز زي اللي حضرتك قدمته
مرت من جواره ورمقته باشمئزاز لم يتحمل أمجد إهمالها إياه ولا تقبل أهانتها له فمد يده وقبض على ساعدها متناسيا وجود سامر انتفضت منار لجرأته ونفضت يده پغضب ودفعته عنها ولوحت بإصبعها أمام وجهه تنهره بقولها
الزم حدك يا أمجد وأبعد عني وصدقني لو أتكرر اللي عملته دا أنا هقل منك جامد وأظن أنك مش هتقبل إن منار شهدي تعلم عليك تاني
القت كلمتها الأخير بتهكم واضح وغادرت مسرعة وخلفت ورائها رجلا كاد يفتك بها من شدة غضبه وآخر حاول كبح سعادته كي لا يلحظه غريمه وحاول أن يشتت انتباه أمجد ولكنه تفاجأ به يسرع بمغادرة مكتبه بوجه ينذر بحلول کاړثة لم يتمهل سامر أو يفكر بعقاپة قراره ولكنه لبى نداء قلبه وتبع حدس عقله وغادر متتبعا خطوات أمجد الذي عمى الاڼتقام قلبه وغيب عقله وزفر بارتياح حين فشل أمجد في اللحاق بها ولكن ما زاد سامر قلقا واسترعى انتباهه رؤيته