رواية بين الحقيقة والسراب بقلم فاطيما يوسف
انت في الصفحة 1 من 69 صفحات
البارت الأول
صباحا في مدينة الإسكندرية عروس البحر المتوسط ومنبع العشق للعاشقين ومأوى السحر والجمال للمحبين
تجلس ريم في منزلها ممسكة بقلمها ودفترها تصمم رداء جديدا من تصاميمها الرائعة التي تحلم أن تنفذ ولو تصميما واحدا منها بيدها
ولكن زوجها يرفض دائما فهو لايريد أن يتعبها أبدا مهما حاولت معه أنها تحب بل تعشق التصميم وتريد أن تجسده علي الحقيقة
ورأي تصميماتها مدير أكبر مصانع الملابس في الإسكندرية وتواصلوا معها عبر رقمها ومضوا معها عقدا بتلك التصاميم الرائعة
وهاهي منذ عامين تتعامل معهم دون أن يروها أو يعرفوا عنها إلا أشياء بسيطة
أكملت التصميم بحرفية ونظرت له بانبهار وهي تحادث نفسها بفرحة
الله الله عليكي ياريما إيه الحلويات دي
والله إنتي خسارة في البلد دي
وأثناء جلوسها في شرفتها وهي سعيدة بتصميمها سمعت جرس شقتها يعلن عن وصول ضيف
ارتدت حجابها وخرجت لتفتح الباب ووجدتها صهرتها
ابتسمت بوجه بشوش وأفسحت لها المجال كي تدلف مرددة بترحيب
اتفضلي ياهند عاملة إيه
أجابتها الأخري بابتسامة خفيفة
أشارت إليها أن تجلس في الشرفة مكان جلوسها ورددت بعفوية
معلش بقي ياهنودة كنت مشغولة في تصميم من بقالي يومين مع شغل البيت ومسؤولية الأولاد والله بحس إن الوقت مش بيكفيني
تأففت الأخري من ذلك الحديث الذي دائما تسمعه من تلك الريم وأردفت بسخرية
ده إنتي جوزك ماشاء الله عليه مش محتاج
وأكملت بتقليل من شأنها وهوايتها
علشان إيه يعني توجعي إيدك وعينك وهما كام ملطوش بتاخديهم آخر كل شهر وتهملي في بيتك وولادك وصحتك
هتفت ريم بتعقل شديد وباتزان دون أن تفقد أعصابها من تدخل تلك الهند بشؤونها وهي تحاول الاستهزاء من عملها دائما
أنا بصمم وأنا قاعدة في بيتي ووقت فراغي
ثم أشارت بيدها علي شقتها مسترسلة حديثها
وبعدين بصي حواليكي كدة وشوفي إذا كنت مهملة ولا لأ واديكي طلعتي علي فجاة من غير ماأكون مرتبة لحاجة يعني
واستطردت حديثها لكي توصل لها الصورة صحيحة
وكمان أنا مش بصمم علشان العائد المادي
اصلا باهر مش مخليني محتاجة حاجة ومش بياخد من فلوسي حاجة خالص
بس أنا بحب التصميم والأزياء وعندي شغف الإهتمام وإني أنفذ أفكاري علي الواقع
وميضرش إني أستفاد من حاجة شكل كدة ماديا طالما مش مقصرة في بيتي ولا ولادي
بهتت ملامح هند من رد ريم الراقي المهذب وأكملت حديثها تسألها عن والدتها كي تنسيها الكلام في ذلك الموضوع التي لم تمل من تردادها له كل مرة تجلس معها
أحيانا يواجهنا أشخاص عقولهم فارغة وكل مايشغلها بث الطاقة السلبية التي يعيشونها في آذان غيرهم
وهؤلاء التعامل معهم نجعل أصابعنا في آذاننا ولا نضعها ڼصب أعيننا ونرمي بها عرض الحائط حتي لو استكبروا علينا استكبارا
في منزل مالك الجوهري ظهرا
يقف في غرفته الواسعة ذات الطلاء الهادئ اللون والذي يبعث في النفس الراحة والهدوء كصاحبها فمالك يعشق الجلوس في تلك الأجواء الهادئة بالرغم من طبيعته العصبية
انتهى من ارتدائه لملابسه الكاجوال فهو قلما يرتدي الملابس الكلاسيك إلا في الاجتماعات المهمة
ثم مشط شعره بحرفية ونثر عطره المفضل إليه بسخاء
وجمع أشيائه وأخذ مفاتيح سيارته وهبط للأسفل
وجد والدته السيدة عبير تجلس وتضع السبرتاية أمامها وتصنع قدحا من القهوة و التي تطهيها كل يوم في هذا الوقت خصيصا لولدها مالك
والتي تعلم مواعيد ذهابه يوميا فهي امرإة تمتاز بالطيبة الشديدة والحب لأبنائها
ولم تفكر يوما من الأيام أن
تتزوج بعد ۏفاة زوجها العزيز وتعيش حياتها فقط ترعى أبناءها
أحست بخطوات مالك تهبط الدرج فوجهت أنظارها إليه بإبتسامة مشرقة وأردفت بنبرة حنون
صباح الخير يا مالك تعالي ياحبيبي اشرب قهوتك
واسترسلت بمحبة نابعة من
قلبها
الجميل
عاملة لك بقي فنجان قهوة متعرفش تشربه من إيد حد غير عبير
قبل أن يرد عليها الصباح الصباح قائلا بدعابة
أحلي صباح علي أحلي بيرو في حياتي وأحلي بيرو في الدنيا بحالها
واستطرد متسائلا باهتمام
ها أخدتي دوا الضغط قبل ماتفطري ولا نسيتي زي
امبارح
أفسحت له المجال كي يجلس بجانبها وأجابته وهي تفرغ محتوي القدح في الإناء بعناية قائلة
أيوة ياحبيبي أخدته متقلقش عليا أنا زي العفريت قدامك أهو بسبع أرواح
متشغلش بالك بيا إنت أنا عايزاك تركز
في حالك وتهتم بنفسك شوية
ثم أخرجت تنهيدة من صدرها محملة بالهموم وتابعت بخفوت
ياحبيبي إنت من ساعة ما طلقت إللي
ما تتسمي نهال وأنت حياتك كلها شغل في شغل ونسيت
نفسك خالص
ونسيت إن
العمر بيجري وكل لما أقول لك تابع مع دكتور علشان خاطر ربنا يشفيك تتابع شوية وترجع تهمل في نفسك
ضيق عينيه بملل من حديث والدته الذي لاتنفض عنه يوما ودموعها التي تشق قلبه شقا كلما رآها تهبط علي وجهها بسببه وأردف بعتاب محب وهو يضع إناء القهوة علي المنضدة واحتضنها وهو يربت علي ظهرها
ياماما ياحبيبتي كل يوم ټعيطي وتكلميني في الموضوع ده وتاعبة نفسك علشاني دموعك دي بتنزل علي قلبي تكويه وبتحسسني إني السبب في ضيقتك دي كل يوم
واسترسل بتوضيح كي يطمأنها
أنا متابع والله ياست الكل مع الدكتور وهو أكد لي خلاص إن كلها شهور وأبقي تمام بإذن الله وهفرح قلبك ياحبيبتي
انفرجت أساريرها واطمئن قلبها وربتت علي فخذه بحنان مردفة بفرحة
بجد يامالك يابني ولا بتقولي كدة وخلاص علشان تريحني !
ياحبيبي أنا نفسي ومني عيني أطمن عليك وأفرح بيك وأشيل ولادك علي إيدي قبل ماأموت
وضع يده علي فمها قبل أن تكمل حديثها الموجع لقلبه مرددا
لأ ياحبيبتي متقوليش كده ربنا يديكي طولة العمر وتفضلي منورة حياتي ياأمي ده من غيرك ماأقدرش اعيش ولا أكمل ياست الكل وست قلبي
واستطرد يطمأنها بحفاوة أكثر
متقلقيش ياأمي أنا مسافر ألمانيا كمان شهرين علشان أشوف مكن جديد وحاجز مع مركز عالمي هناك من يومين
وبعت لهم التحاليل وطمنوني جدا وقالو لي إن حالتي أصلا مش صعبة ولا حاجة وإن ليها كورس علاجي هاخده بانتظام وعلي فترات وإن شاء الله هبقي تمام وزي الفل
طمني قلبك ياأمي
ارتاح بالها واطمئن قلبها ونظرت له قائلة بدعاء
ربنا يكمل شفاك علي خير ياحبيبي ويرزقك من الخير أعلاه ومن السعاده أقصاها
أمن علي دعائها وأكمل قهوته وقام مستأذنا منها كي يذهب إلى عمله
وتركها وغادر وهي تدعي له أن يسدد خطاه ويجعل السلامة تحالفه أينما كان
في البنك الأهلي بمدينة الإسكندرية حيث يتجمهر في البنك المئات من الأناس
ينتظرون أدوارهم بنظام عالي وترتيت ويرجع ذلك النظام لمدير البنك الأستاذ جميل فكم هو جميل حقا قلبا وقالبا
فهو يدير البنك بحرفية ونظام يشهد له الجميع فهو نابغة في إدارة الأعمال بشكل عام وفي الحسابات بشكل خاص
يجلس جميل في مكتبه وأمامه جهاز اللابتوب الخاص بالبنك ويجلس معه أيضا مهندس الألكترونيات المسؤول عن إدارة الالكترونيات وأجهزة الحاسوب ومسؤول أيضا عن تأمينها ضد الهكر
فجميل اختار موظفينه بدقة وعناية فائقة لأجل المسؤلية العظيمة التي تقع على عاتقه تجاه البنك
تحدث جميل بجدية إلي المهندس نادر وهو يعمل على حاسوبه دون أن ينظر له مرددا
ها يابشمهندس عملت إيه مع الهاكر إللي حاول يخترق حسابات البنك ومفكر نفسه ذكي ومحدش هيكشفه
استمع إليه نادر بآذان صاغية وأجابه بثقة وتأكيد
متقلقش يافندم أنا مقفله كل الطرق إللي يقدر يخترق بيها الحسابات وعايز أفرحك كمان وأقول لك إني خلاص قدرت أوصل لمكانه برغم كل الاحتياطات اللي عاملها
واسترسل حديثه بإيضاح
ابن الذين بيتكلم من أرقام برايفت ومن أماكن عامة يعني كافيهات مثلا مختلفة من كل بلد شكل يعني مرة
يحاول من مصر ومرة من بورسعيد ومرة من الاسماعلية وهكذا
علشان مقدرش أحدد مكانه كل مرة بالظبط
بس القدر خدمني في مرة وكنا خارجين أنا وواحد صاحبي وكنا في الجيزة قاعدين في بيته
وجالي رسالة علي الموبايل إنه بيحاول يفتح لأني مظبطه علي برنامج معين عندي لو فتح بأي طريقة أنا مترصد له
متتصورش الواد ده دماغه رهيبة وكمية ذكاؤه عاملة إزاي يافندم كل مرة بيكتشف إن في حد كاشفه فيغير طريقته
فورا في الهكر
والتعامل
مش عارف ليه ميستغلش دماغه العبقرية دي في الصح ويسيبه من سكة اللوع والحرام إللي ماشي فيها دي !
قطع حديثه جميل موضحا له عقلية ذلك الهاكر قائلا بذكاء
إللي زي ده يانادر مش عايز يتعب ولا يعافر مستني ضړبة الحظ إللي تجي له علي طبق من دهب فيقفش فيها پإيده وسنانه ويقول يافكيك
وأشار علي حاله بفخر متسم بالدعابة
بس علي مين ميخلش ويعدي علي جميل
ابتسم الآخر وردد بدعابة مماثلة
طبعا ده دماغه فايتاه ومش عارف هو إنه بيتعامل مع خط البنوك
حضرتك أيقونة ذكاء متحركة وكلنا هنا شغالين بتوجيهات حضرتك يافندم
أماء له بشكر وطلب منه أن
يكمل حديثه
أكمل نادر حديثه شارحا بتفسير
وبصيت ياباشا لقيت إشعار جاي لي إن فتح في مكان معين تابعت المكان واتفاجأت إنه في الجيزة
في أقل من ربع ساعة كنت قدام المكان طيارة ودخلت الكافيه الموجود فيه ومن استكشافي شفت واحد في منتهي الشياكة قاعد والأيباد بتاعه قدامه قربت منه كويس ودققت في إصدار الأيباد من ورا في رقم معين كدة
أدخله عندي وأعرف إذا كان ده من ضمن أجهزة الهاكر ولا لأ
تعبت جدا علشان أتحقق من الرقم بس جبته في الآخر بصعوبة جدا علشان ميشكش فيا
وعرفت إن هو يافندم راقبته وأخدت رقم عربيته وبعتها لواحد صاحبي في
المرور ولسة مستني يجيب لي أخباره بالتفصيل
طبعا منقدرش نقبض عليه إلا
وهو متلبس وخلاص قربت
يافندم وهجبهولك لحد عندك
وهقدمه لك هدية علي طبق من دهب
الله عليك ياهندسة عمري ماشكيت في ذكائك لحظة يانادر قالها جميل بثقة وأكملوا حديثهم عن أمور أخري تخص البنك
في كلية التجارة جامعة الإسكندرية
في نهاية السنة الدراسية حيث تتوافد جميع الطلاب علي قدم وساق لآداء الإمتحانات
بتوتر شديد ملاحظ علي وجوه الطلاب من مختلف أقسام كلية التجارة
يدلف الدكتور رحيم المالكي المدرج المسؤول عن مراقبته اليوم
ألقي السلام بجدية واحترام علي جميع الطلاب الماكثين في توتر وهرج ومرج من دورانهم حول بعضهم كل يسأل غيره ويستفسر عما يريد
انتظموا في أماكنهم فور دخول الدكتور المراقب عليهم ورددوا السلام بوقار واحترام مماثل
وزع جميع الأوراق بالعدد عدا ورقة واحدة استغرب