رواية رحلة الأثام (كاملة جميع فصول الرواية) للكاتبة منال سالم
على مقعد المرآة لأكثر من مرة لتنظر إلى وجهها الذي صار أكثر نعومة وجاذبية بعدما تم إضفاء مساحيق التجميل عليه لتصبح شبه مستعدة للخروج ومقابلة خطيبها وعائلته لم ترغب فردوس في الإفراط في وضع أحمر الشفاه واكتفت بما زين بشرتها لتقوم بقرص خديها لإعطائهما المزيد من الحمرة الدافئة تأملت انعكاسها وتساءلت بتهلف
أصدقتها إجلال القول
زي القمر ياختي
ثم قبلتها من أعلى رأسها وتابعت
مبروك يا دوسة وربنا يتمملك على خير
شكرتها بامتنان ووجهها يزداد إشراقة بابتسامتها المتسعة
تسلمي يا إجلال عقبال ليلتك يا حبيبتي
استحثها على التعجيل قائلة بمرح
مش معقول هنسيب العريس يستنى
هزت رأسها تؤيدها ونهضت واقفة لتشد طرفي ثوبها لينساب على خصرها بأريحية شهقت فجأة مصډومة حينما انحنت عليها إجلال لتقرصها من ركبتيها فسألتها مدهوشة وهي ترمقها بهذه النظرة
أجابتها ضاحكة ببشاشة
جايز أحصلك في جمعتك
حملقت فيها بمحبة وهي ترد
يا رب يا حبيبتي نبقى في ليلة واحدة
احتضنتها إجلال في سعادة لتتراجع بعدها عنها لتفسح لها المجال لتمر وتتجه إلى باب الغرفة تفشى الاضطراب في وجدان فردوس وراحت تردد بلا صوت في توجس طفيف
يا رب اجعل في وشي القبول
ما إن أطلت العروس بهيئتها البهية حتى اتجهت كافة الأنظار إليها لتنطلق بعدها الزغاريد والأصوات المهللة كتعبير عن فرحة الحاضرين بقدومها مرقت فردوس بين جموع المهنئين بخجل وارتباك اختطفت نظرات سريعة نحو خطيبها الذي نهض واقفا ليستقبلها فرأته بقامته الطويلة وملامحه التي تنضح بالرجولة لحظتها شعرت وكأنها لا ترى سواه ابتسمت له في دلال مطعم بالحياء وأخفضت رأسها خجلا حين جلست مجاورة إياه تسارعت دقات قلبها في تلهف فرح ثم شبكت يديها معا ووضعتهما في حجرها محاولة التغلب على ارتباكها الظاهر للجميع نظرت إلى جانبها حين خاطبتها والدتها وهي ټحتضنها بنظراتها الحانية
ابتسمت على استحياء بينما أطلقت خالتها زغرودة عالية أتبعها قولها المهلل
النبي حارسك وصاينك
قامت والدة العريس بتمرير علبة الشبكة على الحاضرين ليتأملوا ما ابتاعه ابنها لعروسه فقد اشترى لها سوارا من الذهب عيار 21 خاتما ودبلة استحسنوا حسن اختيارهما فتكلمت والدة بدري طالبة منه بعد أن فرغ الجميع من رؤية العلبة
استقام واقفا وتناول من العلبة قطعة بعد أخرى ليضعها في يد عروسه ومن خلفه تصدح الأصوات المبتهجة صاحت أفكار في الحضور من النساء بعد أن وضعت فردوس الدبلة في يد خطيبها
ما تزعرطوا يا حبايب خلوا الفرحة تعم
تقدم بعدئذ عوض
لتهنئة شقيقه واكتفى بالابتسام المهذب ل فردوس قبل أن يعود ليجلس بجوار شفيق وجده على حالته الناقمة فمازحه قائلا
نظر له شزرا وهب واقفا ليرد بوجوم
أنا قايم
ثم برطم بعبارات غير مفهومة تعبر عن سخطه قبل مغادرته المنزل ضړب عوض كفه بالآخر متمتما بصوت خاڤت للغاية
ربنا يهديك لحالك
عاد ليتابع ما يدور بالخطبة وهو يدعو الله في سريرته أن تنتهي الليلة على خير بل ويتم ذلك الأمر دون عقبات لينعم شقيقه بالهناء والسعادة مع زوجة طيبة يستحقها تكون له في النهاية نعم السكنى
فؤاد على هذه الوضعية الساكنة لعدة دقائق ريثما فرغ من مراجعة الملف بأكمله دون أن ينبس بكلمة أعطاه لابنه الواقف خلفه ثم نظر إليه من طرف عينه متسائلا
مافيش أخبار عن مهاب
أجاب بهزة رأسه
لأ
سأله مستفهما وهو يطوي نظارته الطبية بعد أن نزعها من على أنفه
إنت بتكلمه
تنحنح قبل أن يجيبه
لما بسأل عليه بيقولولي إنه يا في عمليات يا إما بيحضر مؤتمر
بدت علامات الضيق جلية على قسماته لوى ثغره معبرا عن انزعاجه
أنا مش فاهم هيفضل مقضيها سفر وغربة لحد إمتى!!
تجرأ سامي ليقول بتأدب ماكر
لو تسمح لي أقترح حاجة يا بابا
أعطاه الأذن ليتكلم بأمره المقتضب
قول
عبث برابطة عنقه وأخبره
إيه رأيك نجوزه ده هيخليه يستقر وآ
لم يستسغ ما فاه به فقاطعه بازدراء
مش كنت فلحت إنت الأول!!
استاء من الاستخفاف به وتحقير مطلبه فرد بشيء من الھجوم
ما حضرتك رفضت البنت اللي كنت عاوزها
صاح به بصرامة جعلته ينتفض
ودي أشكال تجيبهالي!!
ثم طرق بيده على سطح مكتبه يسأله في نبرة مليئة بالاتهام
إيه أصلها وفصلها
لاذ بالصمت عاجزا عن تبرير اختياره فوالده من هذا النوع المتعنت من البشر الذي لا يمنحك الفرصة للاختيار هو ينتقي الأفضل فقط ولا بديل عنه ليكون مجاورا له كما أنه لا يؤمن بالمشاعر أو بما يعرف بميل القلب وهواه مرة ثانية انتفض سامي مذعورا ووالده ما زال يوبخه بصوته الخشن المرتفع وهو يطرق بيده على المكتب
واحدة اتعرفت عليها في حفلة خلاص بقت مناسبة
رفع إصبعه أمام وجهه متابعا حديثه الصارم إليه
لازم اللي تناسب عيلة الجندي يكون معروف هي مين
هز رأسه مبديا طاعته الكاملة له وهو يرد
حاضر
لوح له بيده لينصرف دون أن ينبس بكلمة فانسحب مغادرا غرفة مكتبه وهو ينفث دخانا من أذنيه غمغم بلا صوت وغليل صدره قد أخذ في التصاعد
طبعا لو كان ده مهاب مكونتش كلمته ربع كلمة
كز على أسنانه في غيظ ووجهه قد تلون بحمرة الڠضب
مسيرك تعرف قيمتي يا فؤاد بيه!
بعد عدة أيام حيث كانت الشمس ساطعة في سماء بلا سحب والنهار شبه رطب تنعكس آثاره على الوجوه السائرة والكادحة تجاوزت كلتاهما إشارة المرور بعدما انتهتا من التجول في محال السوق الشعبي القريب لتتجها بعدئذ إلى عدة محال مصفوفة على ناصية الطريق حيث تقوم بعرض منتجاتها المخفضة في الواجهات الزجاجية من أجل جذب الزبائن لم تترك فردوس محلا إلا ودلفت إليه لتتفقد الأحدث وتبتاع المناسب حملت معظم الحقائب والأكياس عن والدتها واستطردت تخاطبها برنة حماس ظاهرة في صوتها
احنا كده كملنا الفوط والملايات عاوزين نشوف الحاجات الشفتشي بقى يامه خليني أدلع سي بدري
ڼهرتها والدتها بنظرة صارمة من عينيها قبل نبرتها
يا بت اتلمي بلاش مياصة
اعترضت بتذمر وهي تواصل مشيها المتمهل
الله! مش هابقى مراته ومن حقي أبقى ست الحسن في عينيه
أصابت ابنتها
في قولها لذا هزت عقيلة رأسها قليلا وعلقت بشيء من التفهم
لما أقبض الجمعية آخر الشهر ده هننزل ننقي ونشتري
بنفس الصوت المتحمس أضافت فردوس مرة أخرى
وأوضة النوم سي بدري قالي هيستلمها الأسبوع الجاي
على ملامح وجه والدتها ظهر الضيق فعبرت لها عن مخاوفها بصوت شبه مهموم
ربنا يكملها على خير ولو إني مش مستريحة لأقعدتك مع أمه
سألتها باسترابة
ليه بس دي شكلها طيبة أوي وتتحط على الچرح تطيب
لم تحبذ عقيلة أن تظل ابنتها على هذا القدر من السذاجة والحمق ولم ترغب أيضا في إثقال صدرها بالهموم والقلق دون داع لهذا طرحت عنها تفكيرها السوداوي وهمهمت في خفوت
ربنا يخيب ظني
بعد برهة وصلت الاثنتان إلى منطقتهما الشعبية قبل أن يتجاوزا رصيف دكان البقال صاح صاحبه مناديا بصوت مرتفع
يا ست أم تهاني تعالي أوام ليكي مكالمة من برا
توقفت عن المسير وقد اتسعت عيناها في صدمة لحظية لتردد بعدئذ في لوعة
أكيد تهاني!
عاودت أدراجها صائحة في ابنتها وهي تهرول باشتياق
مدي أوام يا فردوس
تركت عقيلة الأكياس عند قدميها وأمسكت بالسماعة لتضعها على أذنها ما إن سمعت صوت ابنتها يأتي من الطرف الآخر حتى لاحقتها بأسئلتها اللهفى المشتاقة إليها
أيوه يا تهاني إزيك يا ضنايا عاملة إيه يا حبيبتي إنتي كويسة ردي عليا وطمنيني
أخبرتها في هدوء
أنا بخير الحمدلله
تنفست والدتها الصعداء فأكملت تهاني كلامها
أخباركم إنتو إيه
في التو أجابتها وهي تحتضن السماعة بيديها كأنما تضم صغيرتها
احنا كويسين
بالكاد منعت نفسها من ذرف العبرات وهي تعاتبها في حنو أمومي صادق
بقى ينفع تغيبي المدة دي كلها من غير ما تسألي على أمك جالك قلب يا تهاني
أتى ردها عاديا للغاية
مشغولة في الدراسة والمعمل
ومع ذلك ارتضت والدتها بالقليل المحدود منها وأعطتها وافر محبتها بقولها المليء بالتوصيات
خدي بالك من صحتك وكلي كويس واتغطي يا تهاني عشان عضمك يا ضنايا
تكلمت بإيجاز
حاضر
كانت ابنتها على وشك إنهاء المكالمة لكنها هتفت تخبرها بتنهيدة متحمسة
بالحق فردوس أختك اتخطبت
صمتت للحظة وقالت في فتور
مبروك
صاحت بها عقيلة وهي تنقل السماعة من يدها ليد ابنتها
خدي باركيلها بنفسك
أمسكت فردوس بسماعة الهاتف ابتسمت تعابيرها بشكل تلقائي حين استطردت مرددة
ألو أيوه ياختي وحشاني يا حبيبتي
توقعت أن ترد بمودة لكنها فاجأتها عندما خاطبتها بتهكم ساخر للغاية
اتخطبتي بقى لمين عشان أقولك مبروك متقوليش أنا عارفة أكيد يا فران يا ميكانيكي ده إن مكانش آ
انقلبت سحنتها بشدة فما زالت شقيقتها تسير على نفس النهج من الاحتقار والتقليل من شأنها لتشعرها بأنها غير كاملة مثلها تفتقر لأدنى مقومات الجمال الموجودة في الأنثى بصعوبة كتمت حنقها منها وهتفت مقاطعة إياها وهي تضع ابتسامة مزيفة على محياها
الله يبارك فيكي أنا مش سمعاكي الصوت بيقطع
ثم أغلقت السماعة في وجهها لتدعي بعبوس
الخط قطع يامه
اكفهر وجه عقيلة وقالت باستياء
يا خسارة ملحقناش نتكلم مع أختك
انحنت فردوس لتحمل الأكياس والحقائب لتقول بغير مبالاة وقد بدأت بالتحرك خارج دكان البقالة
تبقى تطلبنا تاني بقى لما تفضى
بعض المشاعر لا يمكن السيطرة عليها بسهولة خاصة حينما تتعلق بتقدير الذات والإعلاء من شأنها هذه النزعة الغرورية التي تمتلكها كانت تتأثر بسوء اختيارات من حولها من أهلها ومهما حاولت التغاضي عن تصرفاتهم غير المقبولة تعود مشاعر الضيق والنفور لتستبد بها بتعابير تبدو منزعجة ونظرات حانقة خرجت تهاني من مركز الاتصالات القريب من مقر عملها لتسير عائدة إليه في خطوات شبه متعجلة لم تخف حدة الضيق من على تقاسيمها وهي لا تزال تحادث نفسها
غبية! مش عاملة لنفسها قيمة خالص
ولجت لداخل استقبال المشفى واتجهت صاعدة على سلم الدرج وهي تتكلم
بتبرم ناقم
والله لو جالها شحات لهتوافق هو أنا مش عارفاها
أمسكت بالدرابزين وتابعت حديث نفسها بتأفف أكبر
وطبعا أنا مش محتاجة أخمن هتعيش فين ولا مع مين
سارت في الرواق متجهة إلى الغرفة الخاصة بالمتدربين وهي تقول بازدراء
هي ماتستهلش إلا كده ټدفن نفسها بالحيا عكرت مزاجي على الصبح
مسحت على مقدمة شعرها لتسوي ما نفر من خصلاتها ثم ضيقت ناظريها حين رأت باقة ضخمة من الورد الأحمر تحتل مكتبها تحسست البتلات الزاهية بنعومة وتساءلت في إعجاب واضح
الله لمين الورد ده
أجابت عليها إحدى المتواجدات معها بالحجرة بابتسامة ماكرة
ليكي
قطبت جبينها مندهشة قبل أن ترد
معقولة ليا أنا
تساءلت بصوت شبه مسموع وهي تفتش عن ورقة تدل على هوية مرسله
وده من مين يا