رواية رحلة الأثام (كاملة جميع فصول الرواية) للكاتبة منال سالم
إليها
اضحكي وافرسيها يا بت ماتخليهاش تغلبك بعمايلها المفقوسة دي
سحبت فردوس نفسا عميقا لتثبط به نوبة البكاء الوشيكة التي تهدد بمهاجمتها وردت بصوت مخټنق
طيب
تصنعت الضحك رغم الحزن الذي يعبئ صدرها وراحت ترفع من صوتها بالتدريج لتغطي على ألمها المعنوي قاصدة أن تلفت انتباه والدة زوجها بالتحديد لتشعرها بأنها لم تحقق غرضها بمضايقتها معتقدة بذلك أنها نالت انتقامها من فظاظتها غير المقبولة!
اكتفت بالابتسام في زهو فأشار لها بيده لتسير معه خارج القاعة وهو يستأنف حديثه إليها
خسارة إن واحدة زيك مش متقدرة في بلدنا
زفرت الهواء سريعا لترد بعدها على مضض متذكرة كيف كان يحط من شأنها في أغلب الأوقات إرضاء لأشخاص بعينهم
عشان كده كان نفسي أسافر وأثبت نفسي في مكان يستحقني
متقلقيش كل أحلامك معايا هتتحقق
لطمت بشرتها سخونة أنفاسه وهو يكمل بهمس خطېر
أنا موجود عشانك
غياب وعيه تحت تأثير المواد المسكرة لحصر تفكيره في شيء بعينه قد يودي بها للهلاك الحتمي لذا لا إراديا انطلقت شارات الإنذار في عقلها لتحثها على الانتباه وتوخي كامل الحذر معه حاولت أن تنسل من ضمته غير الكاملة تاركة بينهما مسافة معينة فسألها وهو يقترب مجددا منها
ردت بتردد وهي تضم أصابع يدها معا مكونة قبضة صغيرة كأنما تحاول بها إخفاء توترها
يعني شوية
استخدم ذراعه ليشير نحو المخرج الجانبي وهو يخاطبها
طب تعالي
تعقد جبينها للحظة حين تساءلت مستغربة
هو احنا مش رايحين مطعم الفندق ده
قال نافيا وابتسامة عذبة تشكلت على فاهه
لأ في مكان تاني هوديكي عنده
استدار مهاب كليا تجاهها وسألها في توجس وهو يمد يده لإسنادها
إنتي كويسة
اعتدلت في وقفتها وخفضت ذراعها ثم ردت وهي تحاول تحرير كعب حذائها العالق دون أن تنحني
أيوه
انقلبت تعبيراتها للضيق الحرج حينما رأت ما حل بحذائها انحنت لتلتقط الجزء المفصول والعالق بالفجوة الصغيرة لتقول في خجل
ده الكعب اتكسر أنا أسفة جدا
اندهش من اعتذارها الغريب معقبا
الموضوع مش مستاهل عادي بتحصل
طأطأت رأسها في حرج متزايد وقالت وهي تنزع الحذاء عن قدمها
أنا مكسوفة من حضرتك جدا
اضطرت تهاني أن تثني ساقها بعدما لسعت البرودة القارصة باطن قدمها وأضافت وهي تشير ناحية مدخل الفندق
أنا هرجع الفندق تاني وأحاول أشوف حل للمشكلة دي حضرتك تقدر تروح المطعم اللي إنت عاوزه متعطلش نفسك عشاني
اعترض عليها بصوت وملامح هادئة
إنتي هتفضلي معايا دي مشكلة بسيطة وحلها موجود
ظلت على نظرتها المتحيرة فوجدته يدنو منها قبل أن ينحني ليحملها بين ذراعيه في خفة لتشهق مصډومة من تصرفه المفاجئ لها سرعان ما تدفقت الډماء الحارة في شرايينها لتغزو وجهها مؤكدة على شعورها بالحرج والذهول في التو استنكرت ما فعلته وحاولت حثه على إفلاتها
مايصحش يا د مهاب الناس تقول علينا إيه!!
أخبرها بجرأة صاډمة
لها وبما جعل قلبها يقصف كذلك
أنا لو بوستك حتى محدش ليه الحق يعترض!
هتفت محتجة بارتباك عظيم وقد استندت بكفيها على صدره
لأ أرجوك
منحها هذه الابتسامة الماكرة وهو يخاطبها
متقلقيش مش هعمل حاجة ڠصب عنك إنتي غير أي واحدة
لاذت بالصمت وتجنبت النظر إلى عينيه نهائيا وهو يسير حاملا إياها تجاه السيارة لكنها لن تنكر أنها استمتعت رغم توترها بهذا الشعور الجارف لكل ما هو عقلاني!
بابتسامة صغيرة وملامح وديعة وقفت على عتبة الحمام تنتظر انتهائه من غسل يديه لتعطيه المنشفة القطنية النظيفة ليجففهما بها بعدما تناول الطعام في بيتها تلبية لدعوة أمها حينما انقضى عقد القران سحبها بدري من يدها بخشونة ونشف كفيه ليعيدها إليها دون أن ينبس بكلمة شكر حتى ثم تجاوزها في عبوس باعث على الاسترابة ليعود إلى الصالة لحقت به فردوس والحيرة تسبقها ازدردت ريقها وجلست إلى جواره واضعة أمامه كوب الشاي الساخن اعتدلت في جلستها متسائلة بتوجس قلق وهي تناظره من موضعها
أجابها بصيغة تساؤلية مليئة بالاتهام
عجبك المرقعة اللي إنتي كنتي فيها دي
بهتت تعابيرها خوفا من غضبته الظاهرة وراحت تعتصر ذهنها لتتذكر كيف ومتى أحرجته وتسببت في مضايقته حينما عجزت سألته بصوت شبه مرتعش
مرقعة إيه لا سمح الله
أجابها بنفس الصوت اللائم وشبه المنفعل رغم خفوته
الضحك والكركرة اللي كانوا في الشارع قصاد الناس خلاص فشتك عايمة على الآخر!
تذكرت ما اقترحته عليها خالتها لرد الصاع صاعين لحماتها اللئيمة حين أفسدت عليها فرحتها وكيف انتهى بها المطاف الآن في وضع الاتهام لا التودد والتدليل حاولت التبرير له فأفهمته بتلعثم
دي خالتي كانت قالتلي إن آ
لم يمهلها الفرصة للتوضيح وقاطعها بصوت حاسم وملامح صارمة
بصي يا بنت الناس لا خالتي قالت ولا خالتك عادت أنا مش جاي أتجوز عشان أجيب لنفسي ۏجع الدماغ
انقبض قلبها توجسا وأحست بطعم المرارة يملأ حلقها فتابع
على نفس النهج القاسې
أنا عاوز اللي تريحني مش ناقص هم وقرف
في التو أبدت ندمها قائلة دون تفكير
حقك عليا
سكت ولم يقل شيئا فاستأنفت بحذر وهي تقاوم زحف الدموع إلى مقلتيها
بس إنت برضوه زعلتني لما سبتني وروحت مع أمك وكأني مش مراتك!!
هتف في صوت محموم
هو احنا لحقنا!!
برقت عيناها ارتياعا وراح الفزع يتولاها من كل جانب كأن هناك هجوما ضاريا على أعصابها دفعة واحدة عندما صاح في عتاب حانق
ما إنتي شوفتي بنفسك إنها مش قادرة تقف عاوزاني أعمل إيه وهي ست كبيرة أقف اتفرج عليها لحد ما تقع من طولها
انحشر صوتها وهي ترد بنبرة مهتزة
لأ بس آ
مرة ثانية قاطعها رافعا يده أمام وجهها ليهددها
من غير بسبسة اللي حصل حصل خلاص من هنا ورايح تاخدي بالك من تصرفاتك سامعة وإلا هتلاقي الرد مايعجبكيش!!
تحول نظرها عنه وراحت تلوم نفسها بشدة لأنها انساقت وراء خالتها ولم تضع في الحسبان أنها بذلك تحزن زوجها ودت لو عاد بها الزمن للوراء واكتفت بالسير صامتة لربما آنئذ نالت رضائه وكلمة حنونة منه!
كانت تشعر بنوع من الغنج والدلال وهي تنتقي بين ماركات الأحذية ما يناسب مقاس قدميها بدت وكأنها في عالم من سحر الموضة المشوق لحظات لا تعوض عاشت كل ثانية فيها بنشوة عارمة دارت حول نفسها وهي لا تصدق حقا أنها ترتاد أحد أهم متاجر بيع الأحذية بعد حين من التجارب وجدت واحدة ملائمة لها رغم تحيرها في حسم اختياراتها فكل ما وقعت عليه عينيها كان رائعا للغاية تجولت في تبختر أمام ناظري مهاب وهو جالس على الأريكة ثم رفعت قدمها قليلا عن الأرضية لتبرز شكل الحذاء في قدمها وهي تهتف بابتسامة لهفى
تحفة أوي ومريحة جدا
قال وهو يبادلها الابتسام الهادئ
المهم إنها عجبتك
بعدئذ أشار للعاملة في المتجر لتأتي له بالفاتورة فاستجابت له في التو انتظرت تهاني ذهابها وتقدمت ناحيته ثم جلست على حافة الأريكة الوثيرة وراحت تتحسس ملمس الجلد الثمين بيدها لترفع نظرها إليه مضيفة بقليل من الحرج
بصراحة دي أول مرة ألبس حاجة زي كده في حياتي
للحظة تحسرت على حياتها البائسة التي جعلتها محرومة تقريبا من رفاهية الدنيا ومتعها المغرية قامت واقفة وتابعت وهي تتطلع إليه بتعبير واجم لتقنعه بأنها غير راضية عن هذا الموقف المخجل بتاتا
بس أكيد غالية وصعب إني آ
قاطعها قبل أن تتم جملتها قائلا وقد فهم ما ترمي إليه
ماتغلاش عليكي
حفظا لماء الوجه حاولت أن تقول بعزة نفس
أنا هرد لحضرتك تمنها
نهض قائما ودنا منها مرددا في عتاب رقيق
عيب الكلام ده يا دكتورة دي هدية بسيطة مني ليكي وهي مش من مقامك أصلا
أصرت على رأيها هاتفة
بس كده كتير وآ
وإيه يعني دي مش هتكون آخر مرة أهاديكي بحاجة
لاحظت تحول نظراته عنها وأتبعها ذلك قوله المريب
لحظة واحدة!
تحرك مبتعدا عنها نحو موضع ما خلفها فالتفتت تتابعه بتحير وجدته يسحب واحدا من الإيشاربات المزركشة من على حامل معدني بعد تدقيق سريع استدار عائدا إليها ثم فرده في الهواء بين يديه ليديره حول عنقها ثم طوقها به فاقشعر بدنها من الملمس الناعم للقماش على جلدها أحست كذلك بأصابعه وهي تداعبها خلسة شدها منه ليجذبها ناحيته ويقربها إليه انساقت كالمغيبة تجاهه حتى اضطرت أن تريح مرفقيها على صدره مستشعرة نبض قلبه أسفل يديها
ده كمان هيبقى شكله تحفة عليكي
إنتي جميلة أوي
كاد ينجح في إغوائها لتقبله لكنها صدت محاولاته في اللحظة الأخيرة بإبعاد وجهها ودفعه برفق من صدره وهي تخاطبه في لهجة اتخذت شكلا رسميا رغم خفوتها
د مهاب! من فضلك!
هو المطعم
قريب من هنا
دس يده في جيب بنطاله وأجاب
أيوه
أبقت على ابتسامتها الرقيقة وهي تسأله
طب مش هنروح ولا إيه
أشار لها بيده الأخرى الطليقة لتخرج قائلا
اتفضلي
هزت رأسها مرددة بإيجاز دون أن تخبت بسمتها
شكرا
ما زالت لمعة الانبهار تحتل نظراتها كلما زارت مكانا جديدا أو استمتعت بشيء لم تجربه سابقا تذوقت تهاني أشهى أنواع الطعام واستطابت ما تناولته من وجبة مميزة بهذا المطعم الراقي لم تشعر بالوقت يمضي وهي بصحبة مضيفها بل إنها استأنست كثيرا بوجوده وشعرت بتناغم غير طبيعي معه ورغم تحفظها الواضح على معاقرته للشراب إلا أنها لم تظهر اعتراضا متحيزا ضده على الأقل ريثما تتوطد علاقتهما بشكل أقوى أو أن تتخذ طابعا رسميا وإلا لضاعت جهودها سدى
أمام ردهة باب غرفتها بالفندق وقفت تصافحه وهي