صراع السلطه
انت في الصفحة 1 من 85 صفحات
الفصل الاول.....
كسر ضوء الشمس النافذ عتمة الليل وسكونه المخيف فتسللت أشعتها بخفة لتداعب أوراق الأشجار الكثيفة التي تطوف بالاراضي الزراعية وكأنها بانتظار ذاك الإشراق الذي يحتضنها كل صباح ازدحام تلك الاماكن معتاد فالاستيقاظ باكرا من أسمى صفات أهالي الصعيد الأغلب يتجول بائعا والبعض يذهب لعمله ومن بين المارة تجد مجموعة من الأشخاص مجتمعون على صينية دائرية الشكل يتوسطها الفطير الشهي والعسل الصافي وقطع الجبن القريش يجلس عليها أهل هذا المنزل البعيد عن تلك الارض التي يجتمع بها رجال البيت والاصدقاء الطعام بين أهل الصعيد قلة ما يتناوله أهله بمفردهما فالجود والكرم مدفون بالعروق ومن بين كل تلك المنازل منزل كبير الدهاشنة وبالاخص بحديقة منزله الشاسعة يجتمع المزارعون حول عدد من الطاولات لتناول الفطور الشهي وبالقرب منهما وبالاخص على تلك الاريكة الخشبية كان يجلس كبيرهما بوقار العصا التي يحملها بين يديه تمنحه عظمة تليق بجلبابه الاسود يجلس بسكون وعينيه تراقب الجميع باهتمام ليشير بعينيه لخادمه للطاولة التي قل الطعام منها ليزيده بالخير انتهى الجميع من تناول الطعام فنهضوا تباعا ليردد احداهم
وأضاف الأخر بامتنان
_ربنا يزيدك من وسع..
ابتسامة صغيرة تشكلت على طرفي شفتي فهد فنهض عن الأريكة وهو يردد باستحسان
_الف هنا وشفا يا رجالة تقدروا ترجعوا لشغلكم..
أشاروا بايديهم بطاعة ومن ثم انصرفوا لاعمالهم بالحقول التابعة لعائلة فزاع دهشان أسرع إليه الخادم ليخبره على عجلة من أمره
صعد الدرج القصير حتى أصبح بداخل المنزل يبحث عنها بعينيه المتلهفة لرؤياها فرغم تقدمهم بالعمر سويا الا انه مازال يشعر برؤياها وكأنه لقائهما لاول! نفس ذاك الشعور الذي يسيطر على قلبه المرهف مازال يتلبسه وكأنه ذاك الصبي الذي يبلغ خمسة وعشرون عاما بل تمكن العشق منه ليجعله يلتاع لرؤياها وحتى إن رأها يسكره حد الرغبة فيدق قلبه پعنف وكأن هناك من يضرم نيران الشوق عمدا ليفتك بهيبته التي يخشاها الجميع طلت من أمامه بردائها الابيض الفضفاض وحجابها الذي يتدلى من خلفها فأقترب لتقف هي مقابله ببسمتها المشرقة
أسرع باجابتها
_هو أنا اقدر على زعلك محطتش لقمة في بوقي من الصبح..
اتسعت ابتسامتها وهي تردد في رضا
_كنت هزعل لو عملتها يا فهد.
تطلع من حوله بترقب وحينما وجد الساحة خالية من حوله همس بغزل
تعالت ضحكاتها حتى أصبحت مسموعة لمن يهبط الدرج فقال بسخرية
_وبعدهالك يا فهد لساك عايش في دور سي روميو .
ردد بحزم مصطنع
_سليم!
دنا منه حتى صار قريبا
_الحق عليا بنبهك أننا تحت بدل ما حد من الأولاد يطب عليك وصورتك تهتز قدامهم!
جلس فهد على المقعد الذي يترأس مائدة الطعام الكبيرة قائلا
أكد له مازحا
_خبرك زين يا واد عمي..
أستاذنت راوية بخجل
_هجيب بقية الاكل..
وتركتهم واسرعت للمطبخ حرجا مما حدث ولجت للداخل لتشير للسيدة التي تعاون نواره وريم
_طلعي باقي الأكل يام نعمات..
أومأت برأسها في طاعة
_أمرك يا مرت الغالي..
_مالك وشك احمر إكده!
مررت يدها على وجهها وكأنها تخبرها بأن وجهها متسخ فتحاول تنظيفه تعالت ضحكات نواره وهي تشير إليها ساخرة
_كفياكي يا ريم هتلاجيها شافت فهد بره بس..
ذمت راوية شفتيها بعدم رضا لتصيح بهم بانزعاج
_اه ده انتوا فضيتوا ليا بقا..
حملت نواره الخبز الطازج لتسرع بالخروج قائلة
_لا انا الحق نفسي قبل ما المدبحة تقوم..
قالت راوية من وسط سيل ضحكاتها
_كبرنا ومكبرناش!.
شاركتها ريم الابتسامة بحزن ظهر على وجهها حينما تذكرت ابنتها يقال أن لكل منا نقاط ضعف أو ربما جانب معتم يستحوذ على المرء حينما تزوره السعادة فالابتسامة يتخلالها تذكار لما يؤلم وكأنها تتعهد على تذكارك دوما بما يؤلمك حتى ټقتل أي ابتسامة قد تتسلل لشفتيك!
شعرت بها راوية فاحتضنتها بذراعيها قائلة بحزن
_لسه مش قادرة تتقبلي اللي حصل لماسة
تدفقت الدموع من عينيها كالمطر المحتبس لتجيبها پقهر
_ياريت اقدر يا راوية انا مش قادرة أستوعب اللي حصل معاها!
ربتت بيدها على كتفيها وهي تخبرها بثقة
_جوزها جنبها وعمره ما هيتخلى عنها أنا عندي ثقة كبيرة في ربنا أنها هترجع أحسن من الأول..
أغلقت عينيها وهي تردد بتمني
_يارررب ياراوية يارب..
أخفت حزنها وهي تشير لها بابتسامة ترسمها بالكد
_طيب يلا قومي عشان نفطر من زمان مفطرناش مع بعض..
أزاحت دمعاتها وهي تحمل باقي الأطباق
_بينا..
وبالفعل خرجن سويا لتنضم إليهم بالخارج تبدل حزن ريم لسعادة كبيرة حينما وجدت عمر يجلس بالخارج فجلست مقابله تتأمله بحنين تود لو أن يحتضنها بقوة حتى تحاول الخروج من تلك المشحنات المقبضة شعر بها فأشار بيديه وهو يهمس لها
_أنتي كويسة
إكتفت بإيماءة رأسها بأنها على ما يرام ثم انتبهوا جميعا لصوت نادين الذي إخترق القاعة كالصوت الرنان
_أيه ده من غيري!
غمس سليم الفطير بالعسل الأبيض وتناولها بتلذذ
_عارفين أنك هتنزلي من نفسك لما تشمي ريحة الوكل..
جلست جوار راوية ثم شرعت بتناول طعامها لتردد بإعجاب
_الله على الفطير البلدي من ايدك يا ريمة.
ابتسمت وهي تخبرها باستحسان
_ألف هنا على قلبك يا نودي..
علقعمر هو الأخر
_تسلم أيدك يام أحمد..
منحته بسمة رقيقة فقال سليم باستغراب
_هو محدش من الولاد نزلوا من القاهرة الأجازة دي ولا أيه
أجابته راوية
_مفيش غير آسروأحمد البنات عندهم امتحانات..
تساءلت نادين بدهشة
_طيب هما فين يفطروا معانا..
أجابها فهد بثبات
_شيعتهم الأرض يبصوا على العمال يشوفوا لو كانوا محتاجين حاجة.
رددت راوية بضيق
_هما لحقوا يستريحوا يا فهد مش كفايا المصانع والمزارع اللي بيدروها!
نظرة حادة حانت منه فقال بجفاء
_مخلف عيل صغير هنخاف عليه ولا أيه..
رددت في توتر
_لا مقصدش بس بقول على الاقل كان فطر معانا مهو طول الشهر بيبقى بالقاهرة مع الشباب وحتى في اليومين اللي بينزلوهم بتخليهم يشتغلوا بالارض!..
اسټنزفت كلماتها غضبه بأكمله فضړب بعصاه الارض بقوة
_مفيش اهنه دلع ياراوية الولد لو مشالش الحمل عن اهله مبيقاش راجل..
امتلأت عينيها بالدموع لتعصبه المبالغ به فتدخل سليم بالحديث قائلا
_محصلش حاجة يا فهد هي خاېفة على ولدها وده حقها بالنهاية هي أم..
هدأت تعابير وجهه قليلا فقال بهدوء
_أنا هادي يا سليم بحاول بس أخليها تستوعب أنه في يوم من الايام ولدها هيبقى كبير الدهاشنة ولازمن أقرص عليه عشان عضمه يبقى ناشف ومحدش يقدر يقف قصاده..
حدجته بنظرة ساكنة ولكنها تحوى سهام متخفية تعرف طريقها لاختراق قلبه بحرافية نهضت راوية عن مقعدها ثم كادت بالابتعاد عن الطاولة فتوقفت قداميها حينما استمعت لأمره الصارم
_كملي وكلك قبل ما تقومي.
عادت لتجلس على مقعدها من جديد وهي توزع نظراتها بينه وبين طبقها بغيظ..
مساحة شاسعة يملأها الرجال العاملين من كل صوب وإتجاه بعضهما يحملون المحاصيل الزراعية للشاحنة والاخرون يكدون عملا بزرع المحاصيل الجميع يعلم بأن تلك المنطقة تخص عائلة فزاع الدهشان فباتت تخص أحفاده وبالأخص كبيرهم فهد الدهشان ومن بين هؤلاء العمال كان ينحني بقامته الطويلة ليحرر السکين الملتوي حتى يتمكن من قطع الحشائش الخضراء ليجمعها فوق بعضها في تناغم وإنسيابية ومن ثم يكوم حزمة أخرى فوق بعضهما ليحملهما ثم يضعها على العربة التي يجرها الفرس الاصيل